ولما حضر الطعام وجلسنا على المائدة نادى الأستاذ هذا الكلب باسمه فحضر ووقف إلى جنبه، فكان الأستاذ خيري يأخذ بيده القطعة الكبيرة من اللحم المشوي ويشير إلى الكلب الأسود والكلب يأكلها وهي في يده.
ويذكرنا هذا الاستئناس والرفق بهذا الحيوان ببعض الفتاوى الفقهية، لأحد المذاهب الإسلامية من قبيل رأي الإمام أبي حنيفة في طهارة الكلب العينية ونجاسة لعابه حال الحياة تبعا لنجاسة لحمه بعد موته عند الإمام مالك (1) فلم يكن الأستاذ قد أتى بشئ شاذ. ولولا نجاسة هذا الحيوان وقذارته لكان يليق به أن يكون نديما للإنسان بما له من صفات قل ما توجد في غيره. وعن توحيد المفضل: " من محبة الكلب لصاحبه، وحراسته منزله وأنه يبلغ من محبته لصاحبه أن يبذل نفسه للموت دونه ودون ماشيته وماله ويألفه غاية الألف حتى يصبر معه على الجوع والجفوة ".
وقد احتل هذا الحيوان في حياة البداوة مكانة هامة، فقد وضع العرب له " 75 " اسما تدل على مختلف صفاته وحالاته.
وعلى الرغم من قذارة الكلب ونجاسته الذاتية فقد أعطاه الله صفات دلت على نبل سريرته فإذا وجدت واحدة بها في الإنسان دلت على طهارة نفسه وصفاء ضميره وطهارة قلبه.
وبعد أن فرغنا من تناول الطعام وانتهينا من أكل الفواكه على تلك المائدة التي أعدت لنا وكانت تكفي لعشرة أضعاف منا وكان فضيلته هيأها لنا وحدنا وإن دل هذا على شئ فإنه يدل على كرمه وطيب نفسه لانتمائه إلى أهل بيت الكرم والجود آل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).