الحديث، خاصة عبد الله بن عمر، وأبي سعيد الخدري.
والسبب في سعة روايته عندهم أن أصل الحديث كان مشهورا، وكانت السلطة تحتاج إليه - بشرط تحريفه ومصادرته - ليكون شعارا لإثبات شرعيتها ثم لتحريم الخروج عليها، ولذلك كثر توظيفه لمصلحة الحاكم حتى لو كان في أول أمره خارجا على الشرعية وتسلط على المسلمين بالقهر والغلبة، فقد استشهد بهذا الحديث معاوية بن أبي سفيان، قال الهيثمي في مجمع الزوائد ج 5 ص 218: عن معاوية قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية. وفي رواية من مات وليس من عنقه بيعة مات ميتة جاهلية. انتهى.
ولكن مهما كانت الفروقات في صيغ الحديث، ففيه عنصران ثابتان عند الطرفين، وهما أن النبي (صلى الله عليه وآله) تحدث عن نظام الحكم من بعده. وأنه تحدث عن الإمام ونظام الإمامة ولم يتحدث عن نظام الخلافة.
وهذه الحقيقة رأس خيط في الاعتقاد بأن الله تعالى قد اختار نوع نظام الحكم للأمة بعد نبيها (صلى الله عليه وآله) ووضع له آلية، وأن هذا الحديث إحدى مفردات هذه الآلية التي وصلت إلينا باتفاق جميع الأطراف!
ومن السهل أن نتعقل معنى الحديث أو صيغة الحكم الإسلامي على مذهب أهل البيت (عليهم السلام) وأن الله تعالى اختار ذرية نبيه للإمامة من بعده، وضمن بقدرته استمرار وجود إمام منهم في كل عصر، وكلف الأمة بمعرفته وبيعته، وجعل خاتمهم الإمام المهدي الموعود (عليه السلام) الذي يظهر سبحانه على يده دينه على الدين كله، ويملأ به الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا، على حد تعبير جده المصطفى (صلى الله عليه وآله).
وأما على مذهب إخواننا السنة فمن المشكل أن يتعقل الإنسان أن مشروع الله تعالى لخاتم الأديان هو نظام الخلافة الذي بدأ يوم وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) في السقيفة، وامتد في تاريخ الأمة صراعات متصلة على الخلافة وأمواجا من الانقسامات والدماء، حتى انتهى بسقوط الخلافة العثمانية، واستسلام الأمة استسلاما ذليلا لأعدائها الغربيين!!