بلغوا بتحقيق شروط في سلوكهم، من أولها الصمت والسكوت وقلة الكلام!
فالصبر يبدأ بحفظ العين واللسان، أي بالصبر عن النظر والكلام، وفي ذلك سر، وهو أن النقطة التي يبدأ منها فضول النفس هو النظر واللسان!
ثم يتواصل الصبر، إلى أن يصل إلى الصبر على كل الأمور: الصبر على المشتهيات، والصبر على المنازعات والمجادلات، والصبر على المؤلمات والمصائب.. الخ. فإذا تم ذلك فقد تمت ألف باء الصبر، حتى يصل إلى درجة الصبر عن جميع الدنيا، ويتحقق لصاحبه حبس النفس عن كل عالم المادة، ويخرج روحه من كل متعلقاتها.
وإذا تم له ذلك، وحبس نفسه عن كل عالم المادة، وما فيه من مال ومقام ولذائذ، فلم يصل إلى درجة الإنسان الكامل أيضا! لأن قوله تعالى: وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا، يعني أنهم صبروا عن الدنيا وعن البرزخ أيضا! والبرزخ هنا هو الصور الخيالية، والصبر عليها يعني محوها من عالم النفس والروح.
فإذا تم له محو عالم الدنيا وعالم البرزخ، يصل إلى المرحلة الثالثة وهي الصبر عن شؤون عالم الآخرة.
فإذا استطاع أن يصبر على الآخرة بكل ما فيها من نعيم، يكون بذلك محا الدنيا والبرزخ والآخرة من روحه، وحينئذ يمكنه أن يفرغ نفسه وروحه لله تعالى دون أن يكون له فيه شريك، ويصل إلى درجة العبد المطلق.
إن الله تعالى لا يقبل الشريك، ولا يصح أن تكون الدنيا ولا الآخرة شريكا له في نفس العبد المطلق. وما لم يمح الإنسان من نفسه وروحه كل الدنيا