وهي خمسة أحرف تحرفت من الثمانية والعشرين حرفا من اللغات، فصارت الحروف ثلاثة وثلاثين حرفا، فأما الخمسة المختلفة ف (يتجحخ) لا يجوز ذكرها أكثر مما ذكرناه، ثم جعل الحروف بعد إحصائها وإحكام عدتها فعلا منه كقوله عز وجل: (كن فيكون)، وكن منه صنع، وما يكون به المصنوع. فالخلق الأول من الله عز وجل الإبداع لا وزن له ولا حركة ولا سمع ولا لون ولا حس. والخلق الثاني الحروف لا وزن لها ولا لون وهي مسموعة موصوفة غير منظور إليها، والخلق الثالث ما كان من الأنواع كلها محسوسا ملموسا ذا ذوق منظورا إليه، والله تبارك وتعالى سابق للإبداع لأنه ليس قبله عز وجل شئ، ولا كان معه شئ، والإبداع سابق للحروف، والحروف لا تدل على غير نفسها.
قال المأمون: وكيف لا تدل على غير أنفسها؟
قال الرضا عليه السلام: لأن الله تبارك وتعالى لا يجمع منها شيئا لغير معنى أبدا، فإذا ألف منها أحرفا أربعة أو خمسة أو ستة أو أكثر من ذلك أو أقل، لم يؤلفها بغير معنى، ولم يكن إلا لمعنى محدث لم يكن قبل ذلك شئ. قال عمران: فكيف لنا بمعرفة ذلك؟
قال الرضا عليه السلام: أما المعرفة فوجه ذلك وبيانه أنك تذكر الحروف إذا لم ترد بها غير نفسها ذكرتها فردا فقلت: ا ب ت ث ج ح خ، حتى تأتي على آخرها، فلم تجد لها معنى غير أنفسها، وإذا ألفتها وجمعت منها أحرفا وجعلتها إسما وصفة لمعنى ما طلبت ووجه ما عنيت، كانت دليلة على معانيها داعية إلى الموصوف بما أفهمته؟ قال: نعم.
قال الرضا عليه السلام: واعلم أنه لا يكون صفة لغير موصوف، ولا اسم لغير معنى، ولا حد لغير محدود، والصفات والأسماء كلها تدل على الكمال والوجود، ولا تدل على الإحاطة كما تدل الحدود التي هي التربيع والتثليث والتسديس، لأن الله عز وجل تدرك معرفته بالصفات والأسماء، ولا تدرك بالتحديد بالطول والعرض والقلة والكثرة واللون والوزن وما أشبه ذلك، وليس يحل بالله جل وتقدس شئ من ذلك حتى يعرفه خلقه بمعرفتهم أنفسهم بالضرورة التي ذكرنا، ولكن يدل على الله عز وجل بصفاته ويدرك بأسمائه ويستدل عليه بخلقه حتى لا يحتاج في ذلك الطالب المرتاد إلى رؤية عين ولا استماع أذن ولا لمس كف ولا إحاطة بقلب. ولو كانت صفاته جل ثناؤه لا تدل عليها أسماؤه لا تدعو إليه والمعلمة من الخلق لا تدركه لمعناه، كانت العبادة من الخلق لأسمائه وصفاته