وما لا ذوق له وهو الروح، ومنها منظور إليه وليس له وزن ولا لمس ولاحس ولا لون ولا ذوق، وهو التقدير والأعراض والصور والطول والعرض، ومنها العمل والحركات التي تصنع الأشياء وتعملها وتغيرها من حال إلى حال، وتزيدها وتنقصها. فأما الأعمال والحركات فإنها تنطلق، لأنه لا وقت لها أكثر من قدر ما يحتاج إليه، فإذا فرغ من الشئ انطلق بالحركة وبقى الأثر ويجري مجرى الكلام يذهب ويبقى أثره. قال عمران: يا سيدي ألا تخبرني عن الخالق إذا كان واحدا لا شئ غيره ولا شئ معه؟ أليس قد تغير بخلقه الخلق؟
قال له الرضا عليه السلام: قديم لم يتغير عز وجل بخلقه الخلق، ولكن الخلق يتغير بتغيره.
قال عمران: يا سيدي فبأي شئ عرفناه؟ قال: بغيره. قال: فأي شئ غيره؟ قال الرضا عليه السلام: مشيته واسمه وصفته وما أشبه ذلك، وكل ذلك محدث مخلوق مدبر.
قال عمران: يا سيدي فأي شئ هو؟
قال: هو نور بمعنى أنه هاد خلقه من أهل السماء وأهل الأرض، وليس لك علي أكثر من توحيدي إياه. قال عمران: يا سيدي أليس قد كان ساكتا قبل الخلق لا ينطق ثم نطق؟
قال الرضا عليه السلام: لا يكون السكوت إلا عن نطق قبله، والمثل في ذلك أنه لا يقال للسراج هو ساكت لا ينطق ولا يقال إن السراج ليضئ فيما يريد أن يفعل بنا، لأن الضوء من السراج ليس بفعل منه ولا كون، وإنما هو ليس شئ غيره، فلما استضاء لنا قلنا قد أضاء لنا حتى استضأنا به، فبهذا تستبصر أمرك.
قال عمران: يا سيدي فإن الذي كان عندي أن الكائن قد تغير في فعله عن حاله بخلقه الخلق؟ قال الرضا عليه السلام: أحلت يا عمران في قولك إن الكائن يتغير في وجه من الوجوه حتى يصيب الذات منه ما يغيره! يا عمران هل تجد النار تغيرها تغير نفسها؟ وهل تجد الحرارة تحرق نفسها؟ أو هل رأيت بصيرا قط رأى بصره؟
قال عمران: لم أر هذا إلا أن تخبرني يا سيدي أهو في الخلق؟ أم الخلق فيه؟
قال الرضا عليه السلام: أجل يا عمران عن ذلك، ليس هو في الخلق ولا الخلق فيه، تعالى عن ذلك، وساء علمك، ما تعرفه، ولا قوه الا بالله. أخبرني عن المرآة أنت فيها أم هي فيك؟ فإن كان ليس واحد منكما في صاحبه، فبأي شئ استدللت بها على نفسك يا عمران؟