وإنما اختلف الناس في هذا الباب حتى تاهوا وتحيروا وطلبوا الخلاص من الظلمة بالظلمة، في وصفهم الله تعالى بصفة أنفسهم فازدادوا من الحق بعدا، ولو وصفوا الله عز وجل بصفاته ووصفوا المخلوقين بصفاتهم لقالوا بالفهم واليقين، ولما اختلفوا فلما طلبوا من ذلك ما تحيروا فيه ارتكبوا، والله يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم.
قال عمران: يا سيدي أشهد أنه كما وصفت، ولكن بقيت لي مسألة؟
قال: سل عما أردت. قال: أسألك عن الحكيم في أي شئ هو؟ وهل يحيط به شئ؟ وهل يتحول من شئ إلى شئ؟ أو به حاجه إلى شئ؟
قال الرضا عليه السلام: أخبرك يا عمران فاعقل ما سألت عنه، فإنه من أغمض ما يرد على الخلق في مسائلهم، وليس يفهم المتفاوت عقله العازب حلمه، ولا يعجز عن فهمه أولوا العقل المنصفون. أما أول ذلك فلو كان خلق ما خلق لحاجة منه لجاز لقائل أن يقول: يتحول إلى ما خلق لحاجته إلى ذلك، ولكنه عز وجل لم يخلق شيئا لحاجة، ولم يزل ثابتا لا في شئ ولا على شئ، إن الخلق يمسك بعضه بعضا، ويدخل بعضه في بعض ويخرج منه، والله جل وتقدس بقدرته يمسك ذلك كله وليس يدخل في شئ ولا يخرج منه، ولا يؤده حفظه، ولا يعجز عن إمساكه، ولا يعرف أحد من الخلق كيف ذلك إلا الله عز وجل، ومن أطلعه عليه من رسله، وأهل سره، والمستحفظين لأمره، وخزانه القائمين بشريعته، وإنما أمره كلمح البصر أو هو أقرب، إذا شاء شيئا فإنما يقول له (كن فيكون) بمشيئته وإرادته، ولا شئ من خلقه أقرب إليه من شئ، ولا شئ أبعد منه من شئ. أفهمت يا عمران؟
قال: نعم يا سيدي قد فهمت، وأشهد أن الله تعالى على ما وصفت ووحدت، وأشهد أن محمدا صلى الله عليه وآله عبده المبعوث بالهدى ودين الحق، ثم خر ساجدا نحو القبلة وأسلم.
قال الحسن بن محمد النوفلي: فلما نظر المتكلمون إلى كلام عمران الصابي وكان جدلا لم يقطعه عن حجته أحد منهم قط، لم يدن من الرضا عليه السلام أحد منهم، ولم يسألوه عن شئ، وأمسينا فنهض المأمون والرضا عليه السلام فدخلا، وانصرف الناس.
وكنت مع جماعه من أصحابنا إذ بعث الي محمد بن جعفر فأتيته فقال لي: يا نوفلي