إنه تعبير يموج بالبحث والمعرفة! ثم يأتي بعده المشهد العجيب: وبكت له جميع الخلائق!
أين أهل التأمل والنظر وأصحاب الدقة الفكرية؟ لقد استعمل الإمام الجمع المحلى بالألف واللام للخليقة لتفيد التعميم لكل المخلوقات، ثم جمعها بكلمة (الخلائق)، ثم فصل الخلائق بعد إجمالها! فقال: وبكت له السماوات السبع والأرضون السبع، وما فيهن وما بينهن ومن يتقلب في الجنة والنار من خلق ربنا، وما يرى وما لا يرى.. كلها بكت من أجل دم الحسين عليه السلام، فأين الحسين نفسه؟! نعم، كل هذا التجليل والعظمة إنما هو لدم سيد الشهداء الذي يجري في عروقه، والذي أراقه لله تعالى في كربلاء! أما روحه المتعلقة بذلك الدم، فلها حديث آخر!
فانظروا إلى هذا التحول والإنقلاب الذي حصل في مراتب الوجود، في نقطة الصعود ونقطة النزول، من أين امتد إلى أين؟! وإلى أين نصل من باب العلم هذا الذي فتحه الإمام الصادق عليه السلام لأهل الفقه الأكبر، عندما عرف لنا الإمام أبا عبد الله الحسين عليه السلام بدمه وليس بنفسه ولا بروحه فأفهمنا أن دمه الشريف فوق التعريف، فكيف بصاحب الدم، ومنزلته؟!
إقرأ كتاب الكافي من أوله إلى آخره، ولكن قراءة باحث، وتتبع فيه مراتب الوجود، وقوس النزول والصعود، لترى أن ما أشرت اليه من تفصيل علامة الوجود الإمام جعفر الصادق عليه السلام بعد إجماله: وبكت له السماوات السبع والأرضون السبع، وما فيهن وما بينهن ومن يتقلب في الجنة والنار من خلق ربنا وما يرى ومالا يرى.. يدل على أهل الجنة بكوا لهذا الدم، وأهل جهنم بكوا لهذا الدم! وما ذلك إلا لأن انقلابا حدث في قوس الصعود وفي قوس النزول!