فإني أشهد الله وملائكته إنكما أسخطتماني وما أرضيتماني، ولئن لقيت النبي لأشكونكما إليه. فقال أبو بكر. أنا عائذ بالله تعالى من سخطه وسخطك يا فاطمة! ثم انتحب أبو بكر يبكي حتى كادت نفسه أن تزهق وهي تقول: والله لأدعون عليك في كل صلاة أصليها. ثم خرج باكيا فاجتمع الناس إليه فقال لهم: يبيت كل رجل معانقا حليلته مسرورا بأهله وتركتموني وما أنا فيه، لا حاجة لي في بيعتكم، أقيلوني بيعتي...). انتهى. وهو في الإمامة والسياسة طبعة مصر تحقيق الزيني ج 1 ص 31.
وفي رواية روضة الواعظين للنيسابوري ص 151: (فقالت: يا بن عم إنه قد نعيت إلى نفسي لأرى ما بي لا أشك، إلا أنني لاحقة بأبي ساعة بعد ساعة وأنا أوصيك بأشياء في قلبي. قال لها علي: أوصيني بما أحببت يا بنت رسول الله. فجلس عند رأسها وأخرج من كان في البيت، ثم قالت يا بن عم ما عهدتني كاذبة ولا خائنة ولا خالفتك منذ عاشرتني!
فقال: معاذ الله أنت أعلم بالله وأبر وأتقى وأكرم، وأشد خوفا من الله أن أوبخك غدا بمخالفتي، فقد عز علي بمفارقتك وبفقدك، إلا أنه أمر لابد منه. والله جدد على مصيبة رسول الله صلى الله عليه وآله وقد عظمت وفاتك وفقدك، فإنا لله وإنا إليه راجعون من مصيبة ما أفجعها وآلمها وأمضها وأحزنها، هذه والله مصيبة لا عزاء عنها ورزية لا خلف لها! ثم بكيا جميعا ساعة، وأخذ على رأسها وضمها إلى صدره، ثم قال أوصيني بما شئت، فإنك تجديني وفيا أمضي كل ما أمرتني به وأختار أمرك على أمري.
ثم قالت: جزاك الله عنى خير الجزاء، يا بن عم أوصيك أولا أن تتزوج بعدي بابنة أختي أمامة فإنها تكون لولدي مثلي، فإن الرجال لابد لهم من النساء، ثم قالت أوصيك يا بن عم أن تتخذ لي نعشا فقد رأيت الملائكة صوروا صورته، فقال لها: صفيه لي فوصفته فاتخذه لها، فأول نعش عمل في وجه الأرض ذلك، وما رأى أحد قبله ولا عمل أحد.
ثم قالت: أوصيك أن لا يشهد أحد جنازتي من هؤلاء الذين ظلموني، وأخذوا حقي، فإنهم أعدائي وأعداء رسول الله، وان لا يصلي علي أحد منهم ولا من أتباعهم. وادفني في الليل إذا هدأت العيون ونامت الأبصار!