أما المعتزلة فمع ادعائهم التسامح واحترام العقل، فإنهم لا يتوانون إذا وجدوا الفرصة، في اضطهاد خصومهم، كما حصل في محنة خلق القرآن، أو قصة المنصور عبد الله بن حمزة مع المطرفية، وهذا تحت شعار (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) الذي هو الأصل الخامس من أصولهم.
وهذا الواقع جعل العلماء المنتمين إلى هذه الفرقة أو تلك يخشون مخالفة المذهب الذي ورثوه عن آبائهم ومشايخهم، واقتصر بحثهم على تأييد قواعد مذهبهم (الفرقة الناجية)، عوضا عن البحث عن الحقيقة، مما قاد إلى جمود في الفكر العقدي، وظهور أدواء عدة منها:
أولا - التقليد:
وللتقليد في العقائد حديث عجيب، فإنه لا يخلو منه مذهب من المذاهب، بل لم ينج منه إلا أفراد قلائل، مثل: ابن حزم وابن الوزير والمقبلي، وبيان ذلك أن علماء كل فرقة كانوا يرسخون في أذهان أتباعهم أنهم الفرقة الناجية والطائفة المنصورة المتبعة للحق، وأما من عداهم فضال مبتدع أو كافر، وعند مناقشتهم للمذاهب الأخرى فإنهم يستوفون حجج مذهبهم ويبالغون في تقويتها، أما حجج المذاهب الأخرى فإنهم يسمونها (شبها) ولا يعرضون منها إلا ما يستطيعون الجواب عنه، وأيضا فعرضهم للحجة يكون عرضا مشوها، يخلطون فيه بين القول ولازمه.
ويحاول هؤلاء العلماء أن يرسخوا في أذهان تلاميذهم أن أئمة مذهبهم كانوا من العلماء الفضلاء المتقين، المرتفعين عن الدوافع البشرية. أما أئمة المذاهب المخالفة فهم مجموعة من الضلال الفساق الزنادقة الانتهازيين...