قد استوى بشر على العراق.... من غير سيف ودم مهراق وهكذا قوله (الرحمن على العرش استوى) معناه: بأن الله سبحانه وتعالى مستول على مخلوقاته، وبما أن العرش هو أعظم هذه المخلوقات، فهو سبحانه وتعالى أخبر عن استيلائه على مخلوقاته بالأخبار عن استيلائه على العرش، الذي هو أعظم مخلوقاته.
وذهب بعض العلماء إن هذا من باب الكناية، لأنه يقال: (جلس الحاكم على السرير)، وإن لم يكن له سرير، أو قعد على العرش، وإن لم يكن له عرش، وإنما يقصد بذلك أن الحاكم قهر واستولى على ملكه، وهذا من باب الكناية كما يقال (زيد طويل النجاد): كناية عن طول قامته وإن لم له نجاد، وكما يقال: (حاكم جبان الكلب) وإن لم يكن له كلب، وإنما المقصود بذلك وصفه بالكرم، بحيث يغشى بيته الناس حتى تجبن كلابه عن نباح الناس، لأنها ألفت غشيانهم ذلك البيت. ويقال أيضا في الكريم: (كثير الرماد) وإن لم يكن له رماد، ولكن ذلك كناية عن كرمه، لأن من شأن الكريم أن يكثر الطبخ للضيوف فيكثر رماده.. وهكذا يقال في الكريم: (مهزول الفصيل)، لأن من شأن الكريم أنه يذبح الذبائح الكثيرة فتهزل أولادها، فلذلك يقال:
في الكريم (مهزول الفصيل)، وإن لم يكن له فصيل.
أما أن يكون الله سبحانه وتعالى جالسا على العرش كما يزعم المبطلون، فذلك ما ترده النصوص القاطعة الدالة على أن الله لا يتحيز في مكان، فالله تعالى يقول (وهو معكم أينما كنتم)، (فأينما تولوا فثم وجه الله)، (وهو في السماء إله وفي الأرض إله) إلى غير ذلك من الآيات.