وجمعه وضن، وهو النسع من سيور منسوج بعضه على بعض، والوصن: النسج.
حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم ولم يزل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى استشهد بعد ذلك.
ودخل الوفد نجران، فأتى الراهب ابن أبي شمر الزبيدي وهو في رأس صومعة له، فقيل له: إن نبيا قد بعث بتهامة وإنه كتب إلى الأسقف، فأجمع أهل الوادي أن يسيروا إليه شرحبيل وعبد الله وجبارا فيأتونهم بخره، فساروا حتى أتوه، فدعاهم إلى المباهلة فكرهوا ملاعنته، وحكمه شرحبيل فحكم عليه حكما وكتب لهم كتابا، ثم أقبل الوفد بالكتاب حتى دفعوه إلى الأسقف، فبينا الأسقف يقرؤه وبشر معه إذ كبت ببشر ناقته فتعسه، فشهد الأسقف أنه نبي مرسل، فانصرف أبو علقمة نحوه يريد الاسلام.
فقال الراهب: أنزلوني وإلا رميت نفسي من هذه الصومعة، فأنزلوه فانطلق الراهب بهدية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، منها هذا البرد الذي يلبسه الخلفاء والقعب والعصا وأقام الراهب بعد ذلك يستمع كيف ينزل الوحي والسنن والفرائض والحدود، وأبى الله للراهب الاسلام فلم يسلم، واستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرجعة إلى قومه وقال: إن لي حاجة ومعادا إن شاء الله. فرجع إلى قومه فلم يعد حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وذكر محمد بن سعد في الطبقات: إن وفد نجران كانوا أربعة عشر رجلا من أشرافهم نصارى، فيهم العاقب وهو عبد المسيح رجل من كندة، وأبو الحارث ابن علقمة رجل من ربيعة، وأخوه كرز، والسيد وأوس ابنا الحارث، وزيد بن قيس وشيبة، وخويلد، وخالد، وعمرو، وعبيد الله، وفيهم ثلاثة نفر يتولون أمورهم والعاقب وهو أميرهم وصاحب مشورتهم والذي يصدرون عن رأيه وأبو الحارث أسقفهم وحبرهم وإمامهم وصاحب مدارسهم، والسيد وهو صاحب رحلتهم.
فتقدمهم كرز أخو أبي الحارث وهو يقول:
إليك تغدو قلقا وضينها معترضا في بطنها جنينها مخالفا دين النصارى دينها فقدم على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قدم الوفد بعده، فدخلوا المسجد عليهم ثياب الحبرة وأردية مكفوفة بالحرير، فقاموا يصلون في المسجد نحو المشرق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعوهم، ثم أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأعرض عنهم ولم يكلمهم، فقال لهم عثمان: ذلك من أجل زيكم هذا، فانصرفوا من يومهم ذلك ثم غدوا عليه بزي الرهبان فسلموا عليه، فرد عليهم ودعاهم إلى الاسلام، فأبوا وكثر الكلام والحجاج بينهم وتلا عليهم القرآن، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أنكرتم ما أقول لكم فهلم أباهلكم. فانصرفوا على ذلك.
وغدا عبد المسيح ورجلان من ذوي رأيهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: قد بدا لنا أن لا نباهلك فاحكم علينا بما أحببت نعطك ونصالحك، فصالحهم على ألفي حلة: ألف في رجب وألف في صفر، أو قيمة كل حلة من الأواقي، وعلى عارية ثلاثين درعا وثلاثين رمحا وثلاثين فرسا إن كان باليمن كيد، ولنجران وحاشيتهم جوار الله وذمة محمد النبي صلى الله عليه وسلم على أنفسهم وملتهم وأرضهم وأموالهم غائبهم وشاهدهم وبيعهم، ولا يغير أسقف من سقيفاه ولا راهب من رهبانيته ولا واقف من وقفانيته، وأشهد على ذلك شهودا، منهم أبو سفيان بن حرب والأقرع بن حابسوالمغيرة بن شعبة، فرجعوا إلى بلادهم فلم يلبث السيد والعاقب إلا يسيرا حتى رجعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلما، وأنزلهما دار أبي أيوب الأنصاري.
وأقام أهل نجران على ما كتب لهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قبضه الله تعالى - صلوات الله عليه ورحمته ورضوانه.
ثم ولي أبو بكر الصديق رضي الله عنه فكتب بالوصاة بهم عند وفاته، ثم أصابوا ربا فأخرجهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه من أرضهم وكتب لهم (هذا ما كتب عمر أمير المؤمنين لنجران: من سار منهم أنه آمن بأمان الله، لا يضرهم أحد من المسلمين وفاء لهم بما كتب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه). فوقع ناس منهم بالعراق فنزلوا النجرانية التي بناحية الكوفة.
وروى البيهقي بإسناد صحيح إلى ابن مسعود: أن السيد والعاقب أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأراد أن يلاعنهما، فقال أحدهما لصاحبه: لا تلاعنه فوالله لئن كان نبيا فلاعنته لا نفلح نحن ولا عقبنا من بعدنا، قالوا له: نعطيك ما سألت فابعث معنا رجلا أمينا، ولا تبعث حق أمين، فاستشرف لها أصحابه فقال: قم يا أبا عبيدة.
فلما قام قال: هذا أمين هذه الأمة.
وذكر البغوي في تفسير قوله عز وجل (إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن) الآيات، نزلت في وفد نجران، قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: مالك تشتم صاحبنا؟ فقال: وما أقول؟ قالوا: تقول إنه عبد. قال:
أجل، هو عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى العذراء البتول، فغضبوا وقالوا: هل رأيت انسانا قط من غير أب؟ فأنزل الله عز وجل (إن مثل عيسى عند الله) في كونه خلقا من غير أب (كمثل آدم) لأنه خلق من غير أب وأم (خلقه من تراب ثم قال له) يعني لعيسى (كن فيكون) يعني فكان.
فإن قيل: ما معنى قوله (خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون) خلقا ولا تكوين بعد الخلق.
قيل: معناه خلقه ثم أخبركم أني قلت له: كن، فكان من غير ترتيب في الخلق كما يكون في الولادة، وهو مثل قول الرجل: أعطيتك اليوم درهما، ثم أعطيتك أمس درهما، أي ثم أخبرك أني أعطيتك أمس درهما، وفيما سبق من التمثيل على جواز القياس دليل، لأن القياس هو رد فرع إلى أصل بنوع شبه، وقد رد الله تعالى خلق عيسى إلى آدم بنوع شبه.
قوله (الحق من ربك فلا تكن من الممترين) الخطاب له صلى الله عليه وسلم والمراد أمته.
ثم قال تعالى (فمن حاجك فيه) أي جادلك في عيسى (من بعد ما جاءك من العلم) بأن عيسى عبد الله ورسوله (فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين) أراد الحسن والحسين وفاطمة وعليا عليهم السلام، والعرب تسمي ابن عم الرجل نفسه، قيل في قوله نبتهل: نتضرع، وقيل: نجتهد ونبالغ في الدعاء، وقيل: نلتعن: والابتهال:
الالتعان. (فنجعل لعنة الله على الكاذبين) منا ومنكم في أمر عيسى.
فلما قرأها عليهم قالوا: حتى نرجع وننظر في أمرنا ثم نأتيك غدا، فخلا بعضهم ببعض فقالوا للعاقب وكان ذا رأيهم: يا عبد المسيح ما ترى؟ قال:
والله لقد عرفتم يا معشر النصارى أن محمدا نبي مرسل، ووالله ما لاعن قوم نبيا قط فعاش كبيرهم ولا نبت صغيرهم، ولئن فعلتم ذلك لتهلكن، فإن أبيتم إلا الإقامة على ما أنتم عليه من القول في صاحبكم فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم.
فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد غدا محتضنا الحسين آخذا بيد الحسن وفاطمة تمشي خلفه وعلي خلفهما وهو يقول: إذا أنا دعوت فأمنوا. فقال أسقف نجران: يا معشر النصارى إني لأرى وجوها لو سألوا الله أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله، فلا تبتهلوا فتهلكوا، ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة.
فقالوا: يا أبا القاسم قد رأينا أن لا نلاعنك وأن نتركك على دينك ونلبث على ديننا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإن أبيتم المباهلة فأسلموا يكن لكم ما للمسلمين وعليكم ما عليهم، فأبوا، فقال: فإني أنابذكم. فقالوا: ما لنا بحرب العرب طاقة، ولكن نصالحك على أن لا تغزونا ولا تخيفنا ولا تردنا عن ديننا على أن نؤدي لك كل عام ألفي حلة، ألفا في صفر وألفا في رجب، فصالحهم على ذلك وقال صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده إن العذاب قد تدلى على أهل نجران، ولو تلاعنوا لمسخوا قردة وخنازير، ولاضطرم عليهم الوادي نارا، ولاستأصل الله نجران وأهله حتى الطير على الشجر، ولما حال الحول على النصارى كلهم حتى هلكوا.
قال أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب الأموال: أهل نجران عرب من بني الحارث بن كعب، وهم أول من أعطى الجزية من النصارى.
قلت: وأخبرني الشيخ أحمد بن حسن بن علي الحرازي أن نجران بادية في مشارق أرض اليمن بينها وبين صعدة مما يلي الشرق مسيرة أربعة أيام، وهو واد كثير النخل ينسب إليه أهل اليمن القصب النجراني، أكثرهم مسلمون وبه نصارى من بقية أولئك، وهم أهل بادية يصنعون، أكثر مواشيهم المعز، والحاكم عليهم في وقتنا - وهي سنة ثمان وسبعين وسبعمائة - إمام الزيدية علي بن محمد الإمام، ثم توفي وخلفه ولده محمد، يعرف بالسيد صلاح.