بينه وبين الأرض بساط إلا الرمل والحصى، فأخذ على الصورة التي وجد عليها، وحمل إلى المتوكل في جوف الليل، فمثل بين يديه والمتوكل يستعمل الشراب وفي يده كأس، فلما رآه أعظمه وأجلسه إلى جانبه، ولم يكن في منزله شئ مما قيل عنه ولا حجة يتعلل عليه بها، فناوله المتوكل الكأس الذي في يده، فقال: يا أمير المؤمنين ما خامر لحمي ودمي قط، فاعفني منه، فأعفاه، وقال:
أنشدني شعرا أستحسنه. فقال: إني لقليل الرواية للشعر. قال: لا بد أن تنشدني شيئا. فأنشده:
باتوا على قلل الأجبال تحرسهم * غلب الرجال فما أغنتهم القلل واستنزلوا بعد عز من معاقلهم * فأودعوا حفرا يا بئس ما نزلوا ناداهم صارخ من بعد ما قبروا * أين الأسرة والتيجان والحلل أين الوجوه التي كانت منعمة * من دونها تضرب الأستار والكلل فأفصح القبر عنهم حين ساء لهم * تلك الوجوه عليها الدود يقتتل قد طال ما أكلوا دهرا وما شربوا * فأصبحوا بعد طول الأكل قد أكلوا قال: فأشفق من حضر على علي، وظن أن بادرة تبدر إليه، فبكى المتوكل بكاء كثيرا حتى بلت دموعه لحيته، وبكى من حضره، ثم أمر برفع الشراب ثم قال: يا أبا الحسن أعليك دين؟ قال: نعم أربعة آلاف دينار، فأمر بدفعها إليه، ورده إلى منزله مكرما.
وكانت ولادته يوم الأحد ثالث عشر رجب، وقيل: يوم عرفة، سنة أربع، وقيل: ثلاث عشرة ومائتين.
ولما كثرت السعاية في حقه عند المتوكل أحضره من المدينة، وكان مولده بها، وأقره بسر من رأى وهي تدعى بالعسكر، لأن المعتصم لما بناها انتقل إليها بعسكره، فقيل لها: العسكر، ولهذا قيل لأبي الحسن المذكور: العسكري،