فحدثت بعض من كان يجتمع بي في ذلك الموضع، فرفع ذلك إلى محمد بن عبد الملك الزيات فبعث إلي من أخذني من موضعي وكبلني بالحديد وحملني إلى العراق وحبسني كما ترى وادعى علي بالمحال.
فقلت له: فارفع قصتك إلى محمد بن عبد الملك الزيات، قال: أفعل، فكتبت عنه قصته وشرحت فيها أمره ورفعتها إلى محمد بن عبد الملك، فوقع على ظهرها " قل للذي أخرجك من الشام إلى هذه المواضع التي ذكرتها يخرجك من السجن ".
قال أبو خالد: فاغتممت لذلك وسقط في يدي وقلت إلى غد آتيه وآمره بالصبر وأعده من الله بالفرج وأخبره بمقالة هذا الرجل المتجبر، فلما كان من الغد قال: باكرت إلى السجن فإذا أنا بالحرس والموكلين بالسجن في هرج، فسألت ما الخبر؟ فقيل لي: إن الرجل المتنبئ المحمول من الشام فقد البارحة من السجن وحده بمفرده وأصبحت قيوده والأغلال التي كانت في عنقه مرماة في السجن لا ندري كيف خلص منها وطلب فلم يوجد له أثر ولا خبر ولا يدرون أنزل في الأرض أم عرج به إلى السماء. فتعجبت من ذلك وقلت في نفسي: استخفاف ابن الزيات بأمره واستهزاؤه بقصته خلصه من السجن، كذا نقله ابن الصباغ.
(الثانية) نقل بعض الحفاظ أن امرأة زعمت أنها شريفة بحضرة المتوكل، فسأل عمن يخبره بذلك فدل على محمد الجواد، فأرسل إليه فجاءه فأجلسه معه على سريره وسأله فقال: إن الله حرم لحم أولاد الحسين على السباع فتلقى للسباع، فعرض عليها ذلك فاعترفت المرأة بكذبها.
ثم قيل للمتوكل: ألا تجرب ذلك فيه فأمر ثلاثة من السباع فجئ منها في صحن قصره، ثم دعا به فلما دخل من الباب أغلقه والسباع قد أصمت الأسماع من زئيرها، فلما مشى في الصحن يريد الدرجة مشت إليه وقد سكنت فتمسحت به ودارت