الطعام قاتله، فإن قتل المضطر كان مظلوما، وإن قتل صاحب الطعام فدمه هدر ".
ومن الطريف ما ذكره كثير من فقهاء السنة والشيعة وإن المضطر إن لم يجد إلا نفسه جاز له أن يقطع بعض أعضائه غير الرئيسة التي لا يؤدي قطعها إلى هلاكه، ويأكلها، وأنه إذا وجد إنسانا ميتا جاز له أن يأكل من لحمه.
وأول ما يختلج في النفس أن الفقهاء قد استوحوا هذا الفرض وأمثاله، من الفقر والحرمان في العصر الذي عاشوا فيه، وإن شأن المضطر في حركاته وسكناته، أشبه بشأن الجماد تسيره قوة خارجة عنه، لأنه لا يصغي ولا يمكن أن يصغي لقول: هذا حسن يجب فعله، وذاك قبيح يجب تركه:
وقد التقت النظرية القائلة " إن الفقر ليتحدى كل فضيلة " بنظرية الفقهاء " لا عقاب مع اضطرار " بل هي عينها، وكفى بالفقر عقابا.
وقال الشيخ محمد الأعسم في منظومة الأطعمة والأشربة (1) الفضل للخبز الذي لولاه * ما كان يوما يعبد الإله ومن الأمثلة عندنا في جبل عامل " الجوع كافر " ولعل مصدر هذا المثل قول أبي ذر: " إذا ذهب الفقر إلى بلد قال له الكفر خذني معك " فقد تجول هذا الصحابي في قرى العامليين - جنوب لبنان - ينذر ويبشر أهله، عندما نفاه عثمان إلى بلاد الشام.
وليس الفقر كفرا فحسب، بل هو الموت الأكبر، كما قال الإمام علي بن أبي طالب ع، موت للعقل والروح والجسم، فلا صحة ولا علم، ولا فضيلة مع فقر، فالجهاد للفضاء على الفقر أفضل من كل جهاد عند الله سبحانه، لأنه جهاد في سبيل الإيمان بالله والعمل بشريعته وأحكامه.