الشاه عباس:
استتب له الأمر سنة 996 ه، وكان معروفا بأصالة الرأي، وقوة العزم، وحسن التدبير، والعدل في الرعية، وكانت البلاد الإيرانية حين تولى الملك مجزأة الأطراف، موزعة بين الأتراك والتركمان بسوء إدارة أسلافه، فاسترجعها ووحدها تحت سلطانه، وأنشأ لأول مرة في تاريخ إيران، أو الصفويين العلاقات السياسية والعلمية والعسكرية بين إيران، ودول أوروبا، كفرنسا، وانكلترا، وإيطاليا.
وما أن أخضع الثائرين والخارجين عليه، حتى حشد الأتراك على الحدود الإيرانية مائة ألف جندي، فصدهم الشاه عباس، وأرجعهم خاسرين، وقد تبين له من حربه مع الأتراك أن الجيش الإيراني ينقصه التدريب والنظام، فاستقدم الخبراء الأجانب، فنظموا له الجيش على الطرق الحربية الحديثة يومذاك، ولما اطمأن إلى جيشه زحف به على بقية الأقطار التي انتزعها الأتراك من الإمبراطورية الإيرانية، واستردها قطرا بعد قطر، حتى استرجع أذربيجان وشطوط بحر قزوين وبلاد الجراكسة والعراق والموصل وديار بكر وكردستان وما يليها، وكانت جيوشه - (بعد أن دربت تدريبا حديثا - تتغلب على جيش العدو الذي كان يبلغ - أحيانا - ضعفي عدد عساكره.
وقد اتخذ أصفهان قاعدة ملكه، ونظم أحوالها، وأحسن تدبيرها، وكانت العاصمة قبله مدينة تبريز، ثم قزوين.
الشاه عباس والعمران:
لا نعرف سلطانا كان يملك عقلا عمرانيا، ويفكر ويعمل ليل نهار لراحة الرعية ورفاهيتها أكثر من الشاه عباس، لقد وهب هذا الشاه نفسه وخزينته، وكل ما يملك لصلاح الشعب وإصلاحه، وجعل العمل للخير العام هدفه الأول ومثله الأعلى، وآثاره القائمة إلى اليوم أصدق الشواهد. إن وجود ملك في عصر الظلمات تتسم جميع أعماله بطابع الإنسانية والمصلحة العامة لهو من خوارق العادات، ولنشرع الآن في تقديم الأمثلة: