وفحموا عن خطابه " (1).
وقتل الحاكم سنة 411، وتولى بعده الخلافة ابنه أبو هاشم الملقب بالظاهر، واختلف في سبب قتله، فمن قائل: إن أخته ست الملك دبرت اغتياله، ومن قائل: إنه خرج في بعض الليالي كعادته راكبا حمارا، ولم يعد. ويعتقد الدروز أن الحاكم اختفى، وأنه سيعود إذا زالت المفاسد المنتشرة في العالم، فهو الإمام المنتظر عند هذه الطائفة. (تاريخ الدولة الفاطمية لحسن إبراهيم حسن ص 168 طبعة ثانية).
وبالتالي، فقد كان عصر الحاكم مليئا بالأعمال والمآثر الجليلة فقد جدد الأزهر، وأجرى عليه وعلى دار الحكمة الأوقاف الجزيلة، وأنشأ جامعا في القاهرة، وآخر بالإسكندرية، وأحصى المساجد، ورتب للمؤذنين والأئمة الأرزاق، وأغدق العطايا والمنح للعلماء والأساتذة.
وفي سنة 404 أعتق كل ما يملك من الرقيق، وكانوا جمعا غفيرا، ووهبهم الأموال والأملاك ليعتاشوا بها، وكان نصير العلم والآداب، فقد أخرج كل ما في القصر من خزائن الكتب، ووضعها في متناول العلماء والطلاب، لينتفعوا بها، وكان يعقد في قصره مجالس للعلماء يتدارسون ويتناقشون في حضرته، ويجزل لهم الجوائز والصلات، ونال العلماء الكبار وأهل الاختصاص لديه حظوة كبيرة، وألف له أبو الحسن الفلكي معجما ضخما في الفلك يعرف بالزيج الكبير، كما استدعى المهندس الشهير ابن الهيثم، لما بلغه من براعته وتفننه، وعهد إليه بفحص أحوال النيل، وما يمكن أن يعمل للانتفاع بمائه.
وكان يميل إلى تخفيف الضرائب عن كاهل الشعب، وعدد الأسعار، وضرب كثيرا من الباعة، وشهر بهم لمخالفتهم التعريفة الرسمية، وأصلح المكاييل والموازين وضبطها، وأجمع المؤرخون على تقشفه وزهده في المظاهر العامة في حياته، واحتقاره للرسوم والألقاب والمواكب الفخمة التي امتاز بها الخلفاء