خبر الغدير والدلالة عليه إلا كالمطالب بتصحيح غزوات النبي (صلى الله عليه وآله) الظاهرة المنشورة (1) وأحواله المعروفة، وحجة الوداع نفسها، لأن ظهور الجميع وعموم العلم به بمنزلة واحدة.
وبعد فإن الشيعة قاطبة تنقله وتتواتر به، وأكثر رواة أصحاب الحديث يرويه بالأسانيد المتصلة، وجميع أصحاب السير ينقلونه عن أسلافهم خلفا عن خلف نقلا بغير إسناد مخصوص، كما نقلوا الوقائع والحوادث الظاهرة، وقد أورده مصنفوا الحديث في جملة الصحيح، وقد استبد هذا الخبر بما لا يشركه فيه سائر الأخبار.
لأن الأخبار على ضربين: أحدهما لا يعتبر في نقله الأسانيد المتصلة، كالخبر عن وقعة بدر وخيبر (2) والجمل وصفين، وما جرى مجرى ذلك من الأمور الظاهرة التي يعلمها الناس قرنا بعد قرن بغير إسناد وطريق مخصوص. والضرب الآخر يعتبر فيه اتصال الأسناد، كأكثر أخبار الشريعة، وقد اجتمع في خبر الغدير معا، مع تفرقهما في غيره من الأخبار، على أن ما اعتبر في نقله من أخبار الشريعة اتصال الأسانيد لو فتشت عن جميعه لم تجد إلا الآحاد، وخبر الغدير قد رواه بالأسانيد الكثيرة المتصلة الجمع الكثير، فمزيته ظاهرة.
ومما يدل على صحة الخبر إطباق علماء الأمة على قبوله، ولا شبهة فيما ادعيناه من الاطباق، لأن الشيعة جعله الحجة في النص على أمير المؤمنين (عليه السلام) بالإمامة، ومخالفوا الشيعة تأولوه على خلاف الإمامة على اختلاف تأويلاتهم، فمنهم من يقول إنه يقتضي كونه (عليه السلام) الأفضل، ومنهم من يقول: إنه يقتضي موالاته على الظاهر والباطن، وآخرون يذهبون فيه إلى ولاء العتق، ويجعلون سببه ما وقع من زيد بن حارثة أو ابنه أسامة بن زيد من المشاجرة، إلى غير ما ذكرناه من ضروب