مذهب جميع من قال بإمامة الثلاثة، فعدم ذكره (عليه السلام) الأولين بما يذكر به عثمان لم يكن للاعتقاد بهما، فلعل التقية كانت مانعة عن مجاهرة مذمتهما في كثير من الأزمان، ومع ذلك أشار في هذه الخطبة إليها كما يظهر لك.
وما ذكره الشارح بقوله " فإن الحال بينه وبين عثمان " الخ يدل مثل كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) على بطلان مذهب من قال بالثلاثة. وهاهنا أمور ينبغي التنبيه عليها:
منها: قوله (عليه السلام) " ولولا ما نهى الله عنه من تزكية المرء نفسه " يدل على انفراده باستحقاق الأمر، لظهور أن المقصود من هذه التزكية رجحانه الدال على تعينه للأمر وظهور أنه لم يكن ما يعد (عليه السلام) من فضائله على تقدير الذكر فضائل بالنسبة إلى بعض الصحابة دون بعض، فما أراد (عليه السلام) ذكره من الفضائل في هذا المقام كان فضائل يعتقد (عليه السلام) دلالتها على تعينه بالاستحقاق، فهي كذلك لدوران الحق معه، واستقلال عقل من لم يفسد عقله بتعين صاحب الفضائل بالأمر.
ومنها: قوله (عليه السلام) " فإنا صنائع ربنا والناس بعد صنائع لنا " قال الشارح:
صنيعة الملك من يصطنعه الملك ويرفع قدره، يقول: ليس لأحد من البشر علينا نعمة، بل الله تعالى هو الذي أنعم علينا، فليس بيننا وبينه واسطة، والناس بأسرهم صنائعنا، فنحن الواسطة بينهم وبين الله تعالى، وهذا مقام جليل ظاهره ما سمعت، وباطنه أنهم عبيد الله، والناس عبيدهم (1) انتهى.
لأن مراده (عليه السلام) سواء كان ظاهره أو باطنه يدل على تعينه بالأمر، لعدم احتمال كون الواسطة بين الله وبين أحد، أو المولى مأموما وذي الواسطة أو العبد إماما.
ومنها: قوله (عليه السلام) " وكتاب الله يجمع لنا " إلى قوله " أولى بالطاعة " لاستدلاله (عليه السلام) بالآيتين الدالتين على تعينه بالاستحقاق، فهو متعين به بوجهين.