ساغت إمامة غيره وصحت لمانع كان فيه (عليه السلام) وهو ما غلب على ظنون العاقدين للأمر أن العرب لا تطيعه، وأنه يخاف من فتنة عظيمة تحدث إن ولي الخلافة لأسباب يذكرونها ويعدونها.
وقد روى كثير من المحدثين أنه عقيب يوم السقيفة تألم وتظلم، واستنجد واستصرخ، حيث ساموه الحضور والبيعة، وأنه قال وهو يشير إلى القبر: يا بن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني، وأنه قال: وا جعفراه ولا جعفر لي اليوم، وا حمزتاه ولا حمزة لي اليوم.
وقد ذكرنا من هذا المعنى جملة صالحة فيما تقدم، وكل ذلك محمول عندنا على أنه طلب الأمر من جهة الفضل والقرابة، وليس بدال عندنا على وجود النص، لأنه لو كان هناك نص لكان أقل كلفة وأسهل طريقا، وأيسر لما يريد تناولا أن يقول: يا هؤلاء أن العهد لم يطل، وأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمركم بطاعتي، واستخلفني عليكم بعده، ولم يقع منه (صلى الله عليه وآله) بعد ما علمتموه نص ينسخ ذلك ويرفعه، فما الموجب لتركي والعدول عني؟
فإن قالت الإمامية: كان يخاف القتل لو ذكر ذلك. قيل لهم: فهلا يخاف القتل وهو يعتل ويدفع ليبايع، ويستصرخ تارة بقبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتارة بعمه حمزة وأخيه جعفر وهما ميتان، وتارة بالأنصار، وتارة ببني عبد مناف، ويجمع الجموع في داره، ويبث الرسل والدعاة ليلا ونهارا إلى الناس، يذكرهم فضله وقرابته، ويقول للمهاجرين: خصمتم الأنصار بكونكم أقرب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنا أخصمكم بما خصمتم به الأنصار، لأن القرابة إن كانت هي المعتبرة فأنا أقرب منكم.
وهلا خاف من هذا الامتناع؟ ومن هذا الاحتجاج؟ ومن الخلوة في داره بأصحابه، ومن تنفير الناس عن البيعة التي عقدت حينئذ لمن عقدت له؟
وكل هذا إذا تأمله المنصف، علم أن الشيعة أصابت في أمر، وأخطأت في أمر.