قلت: أمثال تلك الكثرة وأضعافها لا تدل على اشتمالها على صادق، مع عظم الدواعي على الافتعال، على ما عرفت مما نقله ابن أبي الحديد، ولو كانت الدواعي غير ظاهرة، لوجب استنباط الكذب والبهتان من الروايات، وحصول سوء الظن بالرواة، والاتهام بسوء المدرك، أو تبعية الأهواء، من الاعتماد على أمثالها بمحض تبعية الآباء لما اشتملت الروايات عليها من آثار الوضع وعدم الاعتماد.
أما الرواية الأولى، فهي مشتملة على أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالمنكر وما هو من أفعال الشيطان، وترك المغنية المنكر برؤية عمر من غير حاجة إلى النهي، لخوف الشيطان من عمر، ولم لم يكتفوا بتنزيه عمر فقط؟ ولم ضموا إليه نسبة القبيح إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ ولعل المعتمدين على أمثال تلك الروايات أعرضوا عما أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) به وعما جوزه واتبعوا ما أمر به عمر، مثل حج التمتع، ومتعة النساء، وحي على خير العمل وغيرها، لدلالتها على مزية تامة لعمر. وبالجملة قباحة أمثال تلك الروايات أظهر من أن تحتاج إلى التوضيح لولا تبعية الأهواء.
لا يقال: لعل نذر هذه المعصية جعلها مشروعة، ولا يبعد صيرورة بعض ما لا شرعية له قبل النذر مشروعا به، ولعل هذه المعصية من هذا البعض.
لأنا نقول: سياق ما نسبوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو أن الشيطان ليخاف منك يا عمر مقارنا لترك المغنية، يدل على كون فعلها في هذا الوقت من أفعال الشيطان، فهو ظاهر في الجعل، وبضميمة ما ذكرته سابقا يحصل القطع به.
وأما الرواية الثانية، فهي مشتملة على نسبة أمر إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا يليق بأحد من أهل العرض لو فرض عدم قباحة شرعية فيه، ولا يجوز العاقل صدوره من رسول الله (صلى الله عليه وآله) لو لم يكن الحرص على إجلال عائشة مانعا عن إدراك القبائح، هلا يمنعهم الحياء عن نسبة أمر ينزهون أنفسهم من أمثاله إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟
وأيهم يرضى أن يصنع بحليلته ما نسبوه إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ أو أن ينسبوا إليه ما