يظهرون الخشوع والنسك، فيفتعلون الأحاديث ليحظوا بذلك عند ولاتهم، ويقربوا مجالسهم، ويصيبوا الأموال والضياع والمنازل، حتى انتقلت تلك الأخبار والأحاديث إلى أيدي الديانين الذين لا يستحلون الكذب والبهتان، فقبلوها ورووها وهم يظنون أنها حق، ولو علموا أنها باطلة لما رووها ولا تدينوا بها.
فلم يزل الأمر كذلك حتى مات الحسن بن علي (عليهما السلام)، فازداد البلاء والفتنة، فلم يبق أحد من هذا القبيل إلا خائف على دمه، أو طريد في الأرض.
ثم تفاقم الأمر بعد قتل الحسين (عليه السلام) وولي عبد الملك بن مروان، فاشتد على الشيعة، وولى عليهم الحجاج بن يوسف، فتقرب إليه أهل النسك والصلاح والدين ببغض علي (عليه السلام) وموالاة أعدائه، وموالاة من يدعي من الناس أنهم أيضا أعداؤه، فأكثروا في الرواية في فضلهم وسوابقهم ومناقبهم، وأكثروا من الغض من علي (عليه السلام) وعيبه والطعن فيه والشنآن له، حتى أن إنسانا وقف للحجاج - ويقال: أنه جد الأصمعي عبد الملك بن قريب - فصاح به أيها الأمير إن أهلي عقوني فسموني عليا، وأني فقير بائس، وأنا إلى صلة الأمير محتاج، فتضاحك له الحجاج، وقال: للطف ما توسلت به قد وليتك موضع كذا.
وقد روى ابن عرفة المعروف بنفطويه - وهو من أكابر المحدثين وأعلامهم - في تاريخه ما يناسب هذا الخبر، وقال: إن أكثر الأحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة افتعلت في أيام بني أمية تقربا إليهم بما يظنون أنهم يرغمون أنوف بني هاشم.
قلت: ولا يلزم من هذا أن يكون علي (عليه السلام) يسوءه أن يذكر الصحابة والمتقدمون عليه بالخير والفضل، إلا أن معاوية وبني أمية كانوا يبنون الأمر من هذا على ما يظنونه في علي (عليه السلام) من أنه عدو من تقدم عليه، ولم يكن الأمر في الحقيقة كما يظنونه، ولكنه كان يرى أنه أفضل منهم، وأنهم استأثروا عليه بالخلافة من غير