ولكن الذي يظهر جليا لمن يسبر أحوال الشيخ قدس سره يرى وبوضوح أنه لم يكن يرى لتلك المناصب الدنيوية قيمة، بل كان يجعلها وراء ظهره، وهذا واضح لحبه للوحدة والعزلة وللسير على طريقة أهل السلوك والعرفان والسياحة مختارا للفقر الذي كان به يفخر فخر الكائنات صلى الله عليه وآله ومرجحا له على تمام المناصب والرتب.
هذا وبعد أن ولي في حاضرة العلم وعاصمة الحكومة مشيخة الإسلام; بعد والد زوجته الشيخ علي المنشار حيث كان فيها شيخ الإسلام أيام الشاه طهماسب الصفوي; " رغب في الفقر والسياحة، واستهب من مهاب التوفيق رياحه، فترك تلك المناصب، ومال لما هو لحاله مناسب " (1).
وقد بدأ سياحته بحج بيت الله الحرام، ومن ثم زيارة المدينة المنورة على من حل فيها آلاف الثناء، ومن ثم شهر عصا الترحال وساح في أرض الله الواسعة ردحا من عمره (2)، كان خلالها متخفيا مستترا كما يظهر من الحوادث والمجريات، مع أن شهرته كانت مطبقة في الآفاق.
فقد زار خلالها كلا من الأعتاب المقدسة في العراق، والإمام الرضا عليه السلام في خراسان، ومن ثم قصد هرات وعاد منها إلى مشهد الإمام الرضا، ومنها آذربايجان وزار خلالها مصر، والقدس الشريف، ودمشق الشام، وحلب، وغيرها من البلاد.
توقف في كل بلد مدة، صاحب جمعا كثيرا من أهل الكمال والمعرفة والفضل مما لم يكن ميسورا لكل أحد، وكان خلالها مورد احترام الآخرين، واستفاد وأفاد كثيرا.
هذا، وقد وقعت له مباحثات علمية ومذهبية كثيرة مع علماء المذاهب الأخرى أذعن فيها الجميع له.