فكما أن هذه لا تبصر الأشياء الصغيرة والخطوط الدقيقة إلا بتوسط تلك الصفحة، فكذلك تلك لا تبصر شيئا من الأشياء إلا بتوسط الضوء، وكما أن هذه لا تشغل البصر عن الإحساس بما وراءها فكذلك تلك. والله أعلم بحقائق الأمور.
تبصرة:
لعله عليه السلام أراد بالظلم في قوله: " نور بك الظلم " الأهوية المظلمة، لا الظلمات أنفسها، فإنها لا تتصف بالنور.
وتجويز كونه عليه السلام أراد ذلك مبني على أن الهواء يتكيف بالضوء، وهو مختلف فيه، فالذين جعلوا اللون شرطا في التكيف بالضوء منعوا منه.
وأورد عليهم: إنا نرى عند الصبح ما يقارب الأفق مضيئا، وما هو إلا الهواء المتكيف بالضوء.
وأجابوا: بأن ذلك للأجزاء البخارية المختلطة به، والكلام في الهواء الصرف الخالي من الشوائب البخارية والدخانية القابلة للضوء بسبب كونها متلونة في الجملة.
ورده الفخر الرازي: بأنه يلزم من ذلك أن الهواء كلما كان أصفى كان الضوء الحاصل فيه قبل الطلوع وبعد الغروب أضعف، وكلما كان البخار والغبار فيه أكثر كان الضوء أقوى; لكن الأمر بالعكس [17 / ب] (1)، هذا كلامه، وللتأمل فيه مجال واسع.
واستدل في الملخص على استضاءة الهواء بأنه لو لم يتكيف بالضوء لوجب أن نرى بالنهار الكواكب التي في خلاف جهة الشمس; لأن الكواكب باقية على ضوئها، والحس لم ينفعل على ذلك التقدير من ضوء أقوى من ضوئها يمنع