عادة القوم سلفا وخلفا، وإلى الله المشتكى (1).
نعم، إنها وكما قيل:
............ * شنشنة أعرفها من أخزم (2) ولعل بهذا أمكن القارئ من تكوين صورة واضحة عن الشيخ البهائي قدس سره.
ثم إن بعض الحوادث والقصص فيها من الدلالة على سمو الخلق وصفاء الباطن الشئ الكثير، بالخصوص سمو خلق العلماء، فإنه فوق كل اعتبار.
والقصة هي:
أن الشاه عباس ركب يوما إلى بعض متنزهاته، وكان الشيخ البهائي والمير الداماد في موكبه، إذ كان لا يفارقهما غالبا، وكان الداماد عظيم الجثة، والبهائي نحيفها.
فأراد الشاه أن يختبر صفاء الخواطر بينهما.
فقال للداماد وهو راكب فرسه في مؤخرة الجمع، وقد ظهرت عليه آثار الإعياء والتعب، والبهائي في مقدمة الجمع:
يا سيدنا، ألا تنظر إلى هذا الشيخ كيف تقدم بفرسه، ولم يمش على وقار كما تمشي أنت؟
فقال الداماد: أيها الملك، إن جواد الشيخ قد استخفه الطرب بمن ركبه، فهو لا يستطيع التأني، ألا تعلم من الذي ركبه؟
ثم قال الملك للبهائي: يا شيخنا ألا تنظر إلى هذا السيد كيف أتعب مركبه بجثمانه الثقيل؟ والعالم ينبغي أن يكون مرتاضا مثلك خفيف المؤنة.
فقال البهائي: أيها الملك إن جواد الشيخ أعبى بما حمل من علمه الذي لا يستطيع حمله الجبال.
فعند ذلك نزل الشاه عن جواده وسجد لله شكرا على أن يكون علماء دولته بهذا الصفاء.