ومن المؤسف حقا عدم تدوين الشيخ البهائي لأخبار سياحته التي استمرت هذه المدة الطويلة، مع فضله وكثرة علومه واطلاعه، إذ مما لا شك فيه وقوع أمور لطيفه وقضايا عجيبة تظهر من ثناء بعض من تعرض لسياحته، فلو دونت لكانت من أنفس الكتب.
إليك شطرا منها:
... كان يجتمع مدة إقامته بمصر بالأستاذ محمد بن أبي الحسن البكري (1) وكان يبالغ في تعظيمه.
فقال له الشيخ البهائي مرة: يا مولانا أنا درويش فقير فكيف تعظمني هذا التعظيم؟!
قال: شممت منك رائحة الفضل.
فامتدح أستاذه بقصيدته التي مطلعها:
- يا مصر سقيا لك من جنة * قطوفها يانعة دانية - ويصف الرضي المقدسي (2) الشيخ - عند لقائه له في القدس الشريف - ومحاولته القراءة عليه قائلا:
" ورد علينا من مصر رجل من مهابته محترم، فنزل في بيت المقدس بفناء الحرم، عليه سيماء الصلاح، وقد اتسم بلباس السياح، وقد تجنب الناس، وأنس بالوحشة دون الايناس، وكان يألف من الحرم فناء المسجد الأقصى، ولم يسند أحد مدة الإقامة إليه نقصا، فألقي في روعي أنه من كبار العلماء الأعاظم، فما زلت لخاطره أتقرب، ولما لا يرضيه أتجنب، فإذا هو ممن يرحل إليه للأخذ منه، وتشد له الرحال للرواية عنه، يسمى بهاء الدين محمد الهمداني الحارثي، فسألته عند ذلك القراءة عليه... " (3).