الروح الباصرة - على ما بين في موضعه - دون القوية، بل هي حجاب لها عن رؤية ما وراءها. هكذا أورده شارح المواقف (1)، والشارح الجديد للتجريد (2) وأقول: في هذا الجواب نظر، فإن لهم أن يقولوا أن الملازمة ممنوعة، فإن بعض الأجسام الشفافة يوجب كثرتها وغلظها زيادة ظهور ما خلفها لحس البصر، ولهذا ترى الشمس والقمر وسائر الكواكب حال كونها قريبة من الأفق، أعظم منها حال كونها على سمت الرأس، مع أنها وهي على الأفق، أبعد عنا منها وهي على سمت الرأس بأزيد من نصف قطر الأرض، كما لا يخفى على من له أدنى تخيل; وما ذلك إلا لأن سمك البخار وغلظه بين البصر والكوكب حال قربه من الأفق أكثر مما بينهما حال كونه على سمت الرأس كما بين باستبانة الثاني من ثالثة [17 / أ] كتاب الأصول.
وكذلك حال الصفحة من البلور، فإنها إذا رقت جدا لم تؤثر في الإعانة على قراءة الخطوط الرقيقة، بل لا بد لها من غلظ يعتد به، ومن ثم نرى الطاعنين في السن ربما يستعينون بمضاعفتها على قراءة تلك الخطوط، على أنه لا يلزم من كون ازدياد ثخن البلور مؤديا إلى ستر ما وراءه أن يكون ازدياد ثخن كل شفاف مؤديا إلى ذلك.
ألا ترى أن ثخن مجموع كرتي الهواء والنار والأفلاك التي تحت فلك الثوابت تزيد على خمسة وعشرين ألف ألف فرسخ كما بينوه، ومع ذلك لا تحجب أبصارنا عن رؤية ما وراءها، ولم لا يجوز أن لا تصل مراتب ثخن الضوء - على تقدير جسميته - إلى حد يصير به عائقا عن الإحساس بما خلفه; وأن يكون الضوء بالنسبة إلى كل العيون بمنزلة الصفحة الغير الغليظة جدا من البلور بالنسبة إلى عيون الطاعنين في السن.