جرائمنا - حال قراءة تلك الفقر - نصب أعيننا; وقبائح أعمالنا - عند تلاوة تلك الفصول - مطمح نظرنا.
تذكرة:
ينبغي لنا إذا تلونا قوله عليه السلام: " هلال أمن من الآفات " أن لا نقصرها على الآفات البدنية، بل نطلب معها الأمن من الآفات النفسية أيضا، من الكبر والحسد، والغل والغرور، والحرص وحب المال والجاه، وغير ذلك من دواعي النفس وحظوظها، ومشتهياتها البهيمية والسبعية، فإن طلب الأمن من هذه الآفات التي بمنزلة الكلاب العاوية والحيات الضارية الموجبة للهلاك الحقيقي أهم وأحرى وأليق وأولى، وقد قدمنا في الحديقة الأخلاقية من شرحنا هذا وهي الحديقة العشرون في شرح دعائه عليه السلام في مكارم الأخلاق كلاما فيما يعين على الاحتراز عن هذه الآفات، وقلنا هناك: أنه لا يحصل الأمن التام منها إلا بإخراج التعلق بالدنيا من سويداء الفؤاد، وقلع هذه الشجرة الخبيثة من أرض القلب، فإنه ما دام الإقبال على الدنيا متمكنا في النفس، لا يمكن حسم مواد هذه الآفات عنها رأسا، بل كلما دفعتها وحسمتها عادت إلى ما كانت عليه أولا (1) وقد شبه بعض أصحاب القلوب (2) ذلك بحال شخص عرض له مهم يحتاج إلى فكر وتأمل تام، فأراد أن يصفو وقته، ويجتمع باله، ليتفكر في هذا المهم، فجلس تحت شجرة، واشتغل بالفكر فيه، وكانت العصافير - وغيرها من الطيور - تجتمع على تلك الشجرة، وتشوش عليه فكره بأصواتها وتكدر وقته، فأخذ خشبة وضرب بها الشجرة، فهربت العصافير والطيور عنها، ثم اشتغل بفكره فعادت كما كانت فطردها مرة أخرى فعادت أيضا، وهكذا مرارا فقال له شخص: يا هذا، إن أردت الخلاص فاقطع الشجرة من أصلها فإنها ما دامت باقية فإن العصافير والطيور تجتمع عليها البتة.