إرشاد:
لعلك تقول عند ملاحظة قوله عليه السلام: " وامتهنك بالزيادة والنقصان " -: أن حصول الامتهان للقمر بنقصان نوره ظاهر، فما معنى حصول الامتهان له بزيادة النور؟ فأقول فيه وجهان:
الأول: أنه لما كان أحد وجهيه مستنيرا بالشمس دائما، وكانت زيادة نوره إنما هي بحسب إحساسنا فقط، وقد سخره الأمر الإلهي لأن يتحرك في النصف الأول من الشهر على نهج لا يزيد به المنير منه في كل ليلة إلا شيئا يسيرا، لا يستطيع أن يتخطاه، ولا يقدر على أن يتعداه، أثبت عليه السلام له الامتهان، بسبب إذلاله وتسخيره للزيادة على هذا الوجه المقرر، والنهج الخاص. وقد شبه بعضهم حال القمر، في ظهور القدر المرئي منه شيئا فشيئا في النصف الأول من الشهر إلى أن يصير بدرا، ثم استتاره شيئا فشيئا في النصف الثاني إلى أن يختفي; بما إذا أمر السيد عبده بأن لا يكشف النقاب عن وجهه للناظرين إلا على التدريج شيئا فشيئا في مدة معينة، وأنه متى انكشف وجهه بأجمعه فليبادر في الحال إلى ستره، وإرخاء النقاب عليه شيئا فشيئا إلى أن يختفي بأجمعه عن الأبصار.
الوجه الثاني: أن يكون مراده عليه السلام الامتهان [21 /] بمجموع الزيادة والنقصان، أعني التغير من حال إلى حال، وعدم البقاء على شكل واحد، ولعل هذا الوجه أقرب، وهو جار فيما نسبه عليه السلام إليه من الامتهان بالطلوع والأفول، والإنارة والكسوف.
ويمكن أن يوجه امتهانه بالإنارة بوجه آخر، وهو: أن يراد بها إعطاؤه النور للغير - كوجه الأرض مثلا - لا اتصافه هو بالنور، فإن الإنارة والإضاءة كما جاءا في اللغة لازمين فقط جاءا متعديين أيضا (1)، وحينئذ ينبغي أن يراد بالكسوف