الاختيار يفتح باب الاختلاف والتنافس وإثارة الفتن، والإمامة مرادة لإطفائها وإزالة الهرج وقطع الاختلاف.
الثالث: لو انعقدت الإمامة بالاختيار لزم وجود إمامين، لا بل وجود أئمة عدة في وقت واحد، وذلك بأن يعقد أهل كل إقليم لشخص يختارونه ولا يحصل ترجيح، فتثبت الإمامة في الجميع.
لا يقال: إذا اتفق ذلك بطل العقد لهم أو يختار أحدهم. لأنا نقول: لو كان الاختيار طريقا لتعيين الإمام لكان كل واحد منهم قد صار إماما بذلك السبب، فإزالته بعد ثبوت إمامته غير جائز. على أنا نقول: إن ثبت جواز إزالته، دل على أن الاختيار ليس سببا يقتضي تعين الإمام، إذ لو كان طريقا به يصير الإمام إماما لما بطلت إمامته.
وأما المقدمة الثانية:
فلأن الأمة بين قائلين: قائل يقول بالنص والمعجز، وقائل يقول بالاختيار حسب، أو بالاختيار والدعوة، فإذا بطل القول بالاختيار بطل القول بالدعوة أيضا، إذ لا أحد ينفرد بالقول بها.
واحتج بعض الجمهور بأن إمامة أبي بكر ثابتة، ولم تثبت إلا بالاختيار، فلو لم يكن طريقا إلى تعيين الإمام لما ثبتت إمامته.
والجواب: قوله: إمامة أبي بكر ثابتة. قلت: لا نسلم. قوله: لم يثبت إلا بالاختيار. قلنا: ولا بالاختيار أيضا، فإنا نمنع حصول الاختيار الذي يشترطونه في الإمامة في العقد عليه. ولو سلمنا حصول الاختيار لما ثبتت إمامته أيضا، لأنا نمنع كون الاختيار حجة. على أن المذكور وأهل مقالته