البحث الثالث في ما يستدل به على صدق مدعي النبوة وذلك أمران: إما المعجز أو نص النبي، وهذا القسم الأخير في التحقيق يعود إلى الأول، لأن المعجز الدال على صدقه، دال على نبوة من ينص عليه، فكان نبوة الثاني معلومة بالمعجز الدال على الأول، وإن كان بينهما يسير فرق.
وإذا عرفت ذلك فالمعجز في اللغة عبارة عن ما جعل الغير عاجزا، وفي الاصطلاح عبارة عن الفعل (31) الخارق للعادة المطابق لدعوى المدعي، والدليل على أن مثل ذلك يراد به التصديق، أنه لولا ذلك لزم أحد أمرين:
إما العبث أو الإيهام، والقسمان باطلان، أما الملازمة فلأنه لو لم يرد التصديق لكان إما أن يكون له في ذلك غرض، وإما أن لا يكون ويلزم من الثاني العبث، وإن كان له غرض فإما التصديق أو غيره، وبتقدير أن يكون غيره ولا دلالة يلزم منه الإيهام (32)، لأن المعجز يجري مجرى قول القائل: صدقت، إذ الإنسان إذا ادعى على غيره وكالة مثلا وقال إنه يفعل عقيب دعواي ما لم تجر عادته به، فإذا فعل ذلك علم أنه قصد التصديق ضرورة وإذا كان جاريا مجرى التصديق فلو لم يرده لزم الإيهام. وأما بطلان كل واحد من القسمين فقد مر في أبواب العدل. (33)