البحث الأول: اختلفوا في الفناء، فقال أبو علي وأبو هاشم: هو معنى يضاد الجواهر، يوجب عدمها عند وجوده، وقال الآخرون: بل يعدمها الله كما أوجدها، لأنه يقدر على الإعدام كما يقدر على الإيجاد. وقال آخرون:
بل يفنيها بمعنى إبطال حياتها وتفريق أجزائها من غير أن يعدمها. وليكن البحث هاهنا في مقامين: الأول: في هل الفناء معنى يضاد الجواهر، والثاني:
في كيفية فناء العالم.
أما الأول، قال أبو هاشم: الدليل على إثبات الفناء معنى، أنه ثبت أن الجواهر تعدم، فإما أن يعدمها القادر ابتداء، أو عن سبب، والأول باطل، لوجوه ثلاثة: أحدها: أن العدم سلب، فلا يكون للقادر فيه أثر. الثاني: أن العدم ابتداء غير مقدور، فالعدم الثاني كذلك. الثالث: لو كان الإعدام مقدورا لقدر عليه الواحد منا، لأنه إذا صلح مقدورا (183) لقادر صلح أن يكون مقدورا للآخر.
ويمكن أن يجاب عن الأول بأن يقال: لا نسلم أن الإعدام لا يصلح أن يكون أثرا، وقولهم: " إن العدم ليس بشئ " لا حجة فيه، لأنا نمنع ذلك، ونقول: بل هو شئ يرجع إلى النفي، ولأنه لو لم يصح أن يكون أثرا للقادر لما صح أن يكون أثرا للسبب، وكما جاز أن ينتفي لضده ويكون الضد موجبا لانتفائه، جاز أن يكون ذلك حاصلا بالفاعل كما كان حاصلا بالضد.
وعن الثاني: إنا لا نسلم أن العدم ابتداء غير مقدور، فإن القادر هو الذي يصح أن يفعل وأن لا يفعل، وكما أضيفت صحة أن يفعل إلى الفاعل،