البحث الرابع في فروع العدل وفيه أربعة مطالب المطلب الأول في التكليف. النعمة هي المنفعة الحسنة التي يقصد فاعلها الإحسان إلى المنعم عليه. واشتراط المنفعة احترازا عن المضرة المحضة واشتراط الحسنة إنما كان لأن المنفعة موجبة للشكر، والشكر لا يستحق بفعل القبيح، واشتراط القصد للإحسان احترازا ممن يفعل ذلك رياء للاضطرار.
وإذا تبين ذلك ظهر أن خلق العالم نعمة، لوجود معنى النعمة فيه، فيكون حسنا. أما كونه منفعة فلأن المنفعة هي اللذة أو ما أدى إليها، وخلق الإنسان حيا قادرا مشتهيا من أتم المنافع. فأما كونها حسنة، فلأنا لا نعقل فيها وجها من وجوه القبح، ولأنها فعل الله تعالى، وقد بينا أنه لا يفعل القبيح. وأما أنه قصد بها الإحسان، فلأنه لا يخلو من أن يكون له في خلق العالم غرض وإما أن لا يكون، والثاني محال، والغرض لا يجوز أن يرجع إليه تعالى، فتعين أن يكون عائدا إلى غيره، ولا يجوز أن يكون ذلك ضررا، لأن الإضرار الذي لا يستحق قبيح، فتعين أنه فعل العالم قصدا للإحسان، فيكون حسنا.