وإذا ثبت حدوث الكلام وكونه من دخل المتكلم، وجب أن يكون تعالى قادرا عليه، لكونه قادرا على كل ما يصح كونه مقدورا، والكلام كذلك.
والطريق إلى العلم بكونه متكلما هو السمع، وقد علمنا ضرورة من دين النبي عليه السلام أن القرآن كلامه تعالى، وإذا ثبت كونه تعالى متكلما وجب أن يكون كلامه فعله، لثبوت الاشتراك فيما له كان المتكلم متكلما، ولأن كلامه تعالى من جنس الصوت، وهو محدث، فيجب كونه محدثا، ولأنه خطاب لمخاطبين، فلو كان قديما لكان ما فيه من الأخبار الماضية كذبا وباقي الأخبار والأوامر والنواهي عبثا، وهو يتعالى عن ذلك، ولأنه قد أخبر أنه محدث، فقال: ﴿ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث﴾ (١)، و ﴿من الرحمن محدث﴾ (2).
وقول المخالف: إن القديم هو ما هذا الكلام حكاية عنه.
ظاهر الفساد، لأنا قد بينا أن الكلام من جنس الأصوات، وهي محدثة، فيجب الحكم بحدوث كل كلام، لكونه صوتا، وما ليس بصوت لا يكون كلاما.
ولأن ما هذا القرآن حكاية عنه لا يخلو أن يكون من جنس هذا الكلام أو مخالفا له، فإن يكن من جنسه فحكمه حكمه في الحدوث، وإن كان من غير جنسه لم يجز أن يكون هذا القرآن حكاية له، لأن الشئ لا يكون حكاية لما ليس مثلا له، ولمن جاز أن يكون هذا المتلو حكاية لما ليس من جنسه ليجوزن ذلك في أصوات الطير، بل في كل جنس من الأعراض، فيوصف بأنه قرآن، وهذا ضلال.
ولأن ذلك يقتضي أن لا يوصف هذا بأنه قرآن ولا كلام الله تعالى، لأنه ليس بكلام الله ولا هو القرآن، وإنما القرآن خلافه، وهذا كفر، وقد وصف الله