كونه تعالى مريدا كارها للشئ الواحد مع استحالته.
وأما القبيح فهو سبحانه كاره له، لأنه قد نهى عنه، والنهي لا يكون نهيا إلا بالكراهة، لوجود الجنس والصيغة فيما ليس بنهي، ولأنه تعالى لا يجوز أن يريد القبيح لما بينته، ولا يجوز أن يكون غير مريد له ولا كاره، لأن ذلك يخرجه عن حد التكليف، فلم يبق إلا كونه كارها له، وإذا ثبت أنه تعالى كاره لقبائح العباد، لم يجز أن يريد شيئا منها، لأن ذلك يقتضي كونه مريدا كارها لها، مع فساد ذلك.
وأيضا فإن إرادة القبيح قبيحة، لأن كل من علمها إرادة قبيح علم قبحها، يوضح ذلك: توجه ذم العقلاء إلى مريد القبيح كفاعله، فلو أراد تعالى القبيح لم يرده إلا بإرادة يفعلها على ما بيناه من وقوف كونه مريدا على فعله الإرادة له، وهذا يقتضي كونه فاعلا للقبح، وقد بينا فساد ذلك.
وتعلق المجبرة في كونه تعالى غير مريد لها لم يقع من الطاعات، ومريدا لما يقع من القبائح، بأنه لو أراد ما لا يقع فوقع ما لا يريد وارتفع ما أراد للحقه نقص، كالملك المريد من عبيده نصرته متى لم يقع منهم، ما أراد كان مغلوبا.
ظاهر السقوط، لأن وقوع المكروه وارتفاع المراد إنما يدل على نقص المريد الكاره إذا كان في ذلك نفع له وفي خلافه ضرر عليه، وهو قادر على المنع مما كره والحمل على ما أراد، كإرادة الملك من أنصاره الذب عن دولته وكراهية القعود عن نصرته، فيه نفع له وفي خلافه ضرر عليه، فمتى لم يقع ما أراد ويرتفع ما كونه لحقه نقص، لتعلق الضرر به وعجزه عن دفعه عنه.
والتكليف بخلاف ذلك، لأنه لا يتعلق به تعالى منه نفع ولا ضرر بل هما مختصان بالمكلف، وإن كان فعل ما أراده وترك ما كرهه مختصا بنفع المأمور المنهي، وكان هذا النفع مختصا بوقوع ذلك وارتفاع هذا بإيثاره، وهو قادر على إلجائه إلى فعل المراد وترك المكروه، كإرادة سلطان الإسلام وأنصاره من أهل الذمة الإيمان، وكراهيتهم منهم الكفر، لما لهم في ذلك من النفع المختص بإيثارهم دون إلجائهم،