وقال فيها: ولقد مضت منكم أمور (١) وسلفت، ملتم علي فيها ميلة واحدة، كنتم فيها غير محمودي الرأي، أما لو (أ) شاء أن أقول لقلت: سبق الرجلان، وقام الثالث كالغراب همته بطنه، وفرجه أمله، لو قص جناحاه وقطع رأسه كان خيرا له، شغل عن الجنة، والنار أمامه (٢).
فأخبر عليه السلام بتحاملهم عليه وظلمهم جميعا له، وأن الثالث يلي بذلك السابقين إلى ظلمه.
وقوله عليه السلام في خطبته الوسيلة: ولئن تقمصها دوني الأشقيان، ونازعاني فيما ليس لهما بحق وهما يعلمان، فركباها ضلالة واعتقداها جهالة، فلبئس (ما) عليه وردا، وبئس ما لأنفسهما مهدا، ببلاغتان (٣) من محلهما، ويبر أكل منهما من صاحبه بقوله لقرينه إذا التقيا: ﴿يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين﴾ (٤).
وقوله فيهما: وليس رتعا في الحطام المتصرم والغرور المنقطع، وكانا منه على شفا من الأجل ومندوحة من الأمل، فقد أمهل الله شداد بن عاد وبلعم بن باعورا وثمود بن عبود، وأسبغ عليهم نعمه ظاهرة وباطنة، حتى إذا أتتهم الأرض بركاتها أخذهم الله بغتة، فمنهم من أردته الخسفة، ومنهم من أحرقته الظلمة، ومنهم من أخذته الصيحة، ومنهم من أهلكته الرجفة، ﴿وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون﴾ (٥)، ولم يكن حال الظالمين إلا كخفقة أو وميض برقة، حتى لو كشف لك عما هو (ى) إليه الظالمون وآل إليه الأخسرون لهربت إلى الله عز ذكره مما هم فيه مقيمون، ﴿خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون﴾ (6).