لولا هذه لخرج عن كونه قادرا عليهما.
الثاني: أنه لو كان نظم الفصاحة المخصوصة يحتاج إلى علم زائد، لكان علمنا بأن العرب الفصحاء قد نظموا ما قارب القرآن في الفصاحة تسعرا وسجعا وخطبا دليلا واضحا على كونهم قادرين على نظم فصاحتهم في مثل أسلوب القرآن، لأنا قد بينا أن القدرة على نظم واحد تقتضي القدرة على كل نظم.
وإذا بطلت سائر الوجوه ثبت أن جهة الإعجاز كونهم مصروفين، وجرى ذلك مجرى من ادعى الإرسال إلى جماعة قادرين على الكلام والتصرف في الجهات، وجعل الدلالة على صدقه تعذر النطق بكلام مخصوص وسلوك طريق مخصوص، في أن تعذر ذين الأمرين مع كونهم قادرين عليهما قبل التحدي وبعد تقضي وقته من أوضح برهان على كونه معجزا، لاختصاصه بمقدوره تعالى وتكامل الشروط فيه.
إن قيل: بينوا جهة الصرف وحاله، وعن أي شئ حصل؟
قيل: معنى الصرف هو: نفي العلوم بأضدادها، أو قطع إيجادها في حال تعاطي المعارضة التي لولا انتفاؤها لصحت منهم المعارضة، وهذا الضرب مختص بالفصاحة والنظم معا، لأن التحدي واقع بهما، وعن الجمع بينهما كان الصرف.
وأيضا فلو لا ذلك لكان القرآن معارضا، لأنا قد بينا عدم الفرق المقتضي للاعجاز بينه وبين فصيح كلامهم، وكون النظم والفصاحة والجمع بينهما مقدورا، ولأنه عليه السلام جرى في التحدي على عادتهم، ومعلوم أن معارض المتحدي بالوزن المخصوص لا يكون معارضا حتى تماثل في الفصاحة والوزن والقافية، وإنما وجب هذا لتعلق التحدي بالرتبة في الفصاحة والطريقة في النظم.
ولا يملان أحدا (1) دعوى معارضة للقرآن.