قال: وهي أيضا مشطورة مضمنة أي ألقي من كل بيت نصف وبني على نصف، وفي المحكم: المضمن من أبيات الشعر ما لم يتم معناه إلا في البيت الذي بعده، قال: وليس بعيب عند الأخفش، وأن لا يكون تضمين أحسن، قال الأخفش: ولو كان كل ما يوجد ما هو أحسن منه قبيحا كان قول الشاعر:
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا، ويأتيك بالأخبار من لم تزود رديئا إذا وجدت ما هو أشعر منه، قال: فليس التضمين بعيب كما أن هذا ليس بردئ، وقال ابن جني: هذا الذي رآه أبو الحسن من أن التضمين ليس بعيب مذهب تراه العرب وتستجيزه، ولم يعد فيه مذهبهم من وجهين: أحدهما السماع، والآخر القياس، أما السماع فلكثرة ما يرد عنهم من التضمين، وأما القياس فلأن العرب قد وضعت الشعر وضعا دلت به على جواز التضمين عندهم، وذلك ما أنشده صاحب الكتاب وأبو زيد وغيرهما من قول الربيع بن ضبع الفزاري:
أصبحت لا أحمل السلاح، ولا أملك رأس البعير، إن نفرا والذئب أخشاه، إن مررت به وحدي، وأخشى الرياح والمطرا.
فنصب العرب الذئب هنا، واختيار النحويين له من حيث كانت قبله جملة مركبة من فعل وفاعل، وهي قوله لا أملك، يدلك على جريه عند العرب والنحويين جميعا مجرى قولهم: ضربت زيدا وعمرا لقيته، فكأنه قال: ولقيت عمرا لتتجانس الجملتان في التركيب، فلولا أن البيتين جميعا عند العرب يجريان مجرى الجملة الواحدة لما اختارت العرب والنحويون جميعا نصب الذئب، ولكن دل على اتصال أحد البيتين بصاحبه وكونهما معا كالجملة المعطوف بعضها على بعض، وحكم المعطوف والمعطوف عليه أن يجريا مجرى العقدة الواحدة، هذا وجه القياس في حسن التضمين، إلا أن بإزائه شيئا آخر يقبح التضمين لأجله، وهو أن أبا الحسن وغيره قد قالوا: إن كل بيت من القصيدة شعر قائم بنفسه، فمن هنا قبح التضمين شيئا، ومن حيث ذكرنا من اختيار النصب في بيت الربيع حسن، وإذا كانت الحال على هذا فكلما ازدادت حاجة البيت الأول إلى الثاني واتصل به اتصالا شديدا كان أقبح مما لم يحتج الأول إلى الثاني هذه الحاجة، قال: فمن أشد التضمين قول الشاعر روي عن قطرب وغيره:
وليس المال، فاعلمه، بمال من الأقوام إلا للذي يريد به العلاء ويمتهنه لأقرب أقربيه، وللقصي.
فضمن بالموصول والصلة على شدة اتصال كل واحد منهما بصاحبه، وقال النابغة:
وهم وردوا الجفار على تميم، وهم أصحاب يوم عكاظ، إني شهدت لهم مواطن صادقات، أتيتهم بود الصدر مني وهذا دو الأول لأنه ليس اتصال المخبر عنه بخبره في شدة اتصال الموصول بصلته، ومثله قول القلاخ لسوار بن حيان المنقري:
ومثل سوار رددناه إلى إدرونه ولؤم إصه على ألرغم موطوء الحمى مذللا