قليلة، والزاد غث لا غناء فيه؟
ثم إنك لتجد في هذا الأدب الحر الجديد ميلا إلى التزام قواف ورجوعا إليها ما أمكنهم السبيل، وقد تجد القطعة التي " كتبها " صاحبها ذات وزن وقافية واحدة، ولكنه كتبها بصورة أبعدتها عن أن تكون صدورا وأعجازا لقصيدة مألوفة. ثم إن صاحبها ليعمد إلى خرم في الوزن، ومجافاة للمألوف فيه، وكأن ذاك متعمد مقصود ليشهد على نفسه أنه جديد مجدد، وأن أدبه " حر " طليق، وأن " فنا " وحيلة في رسم أشطاره ليكفي أن يكون نمطا جديدا.
وأنا أسأل طائفة من أصحابنا أهل " الحر " الجديد الآخذين به، العائبين على القصيدة في أوزانها المعروفة وقوافيها أنها أدب ميت قاصر، أو مومياء محنطة، وليس خيالا " مجنحا " جديدا فأقول:
لم يعمد هؤلاء المجد دون إلى اللون القديم الذي دعوه " العمودي " حين ينظمون في " مناسبة " وطنية؟ ألم يقولوا: إن " العمودي " قاصر لا غناء فيه، وإن " العمودي " لا يمكن أن يكون وعاء للجديد من الفكر، ألم تكن " المناسبة الوطنية " موحية لفكر جديد وأدب جديد ولون جديد؟
هذه سؤالات لم أتبين لها جوابا.
أنا لا أنكر أن الكثير من الشعر الذي التزم فيه الوزن والقافية صناعة غثة وبضاعة بائرة، وأنه رصف ميت مفتقر إلى كثير من عناصر الحياة، غير أني أشعر - أيضا - أن شيئا كثيرا من جديد القوم مما يدعى " حرا " ضرب من كلام خلا من ظلال للمعاني، بله الجديدة منها.
ولا بد لي من أن أعود إلى القافية فأشير إلى أن غير العرب من الأمم السامية قد حاولوا أن يصنعوا صنيعهم، فيكتبوا نثرهم مسجوعا.
ثم إن اللغويين الأقدمين لما رأوا ما للقافية من مكان في نثر العرب وشعرهم، عمدوا إلى تصنيف المصنفات في الموضوع، فكانوا يجمعون الاسجاع في الأقوال المأثورة والأمثال وغيرها، منوهين بهذا الضرب من فن النثر.
وقد بلغ الامر إلى أن يصنعوا معجمات تشتمل على الألفاظ التي تنتهي بقافية واحدة، مثل: الصغير، والكبير، والقدير، والحقير، وصدور، ومصدور، ومثل: جناب، وإياب ورباب، وعذاب، هكذا استوفوا جل أبينة العربية، ولم يكن غرضهم إلا جمع الأشباه والنظائر من الألفاظ التي جاءت على قافية واحدة.
وعلى رأس هذه المصنفات كتاب (التقفية في اللغة) لأبي بشر بن أبي اليمان البندنيجي (المتوفى سنة 284 ه) والكتاب من سلسلة إحياء التراث التي تصدرها وزارة الأوقاف في الجمهورية العراقية.
وقد حققه وبذل فيه الوسع الدكتور خليل إبراهيم العطية، وقد دبجه بتعليقات