المسمى: كتاب التقفية "، فمردود.
ودليلنا حمد الجاسر نفسه الذي ذكر أن هذا الكتاب من الكتب المغمورة التي قل أن يرد لها ذكر في كتب اللغة. أما أن " هذا من الأسباب التي حملت كثيرا من الباحثين على الاعتقاد بأن الجوهري هو مبتكر منهج ترتيب الكلمات العربية بحسب الحرف الأخير منها " فعجيب أن يصدر من علماء ذوي بصر ثاقب من أمثال الدكتور بكري شيخ أمين يغفلون عن فهم المعجم اللغوي فيحسبون الصحاح وكتاب التقفية ذوي موضوع واحد، ومنهج واحد، وغاية واحدة، مع أن البندنيجي أدرك معنى المعجم اللغوي، وعرف الفارق بين عمله وعمل المعجم فسمى كتابه " كتاب التقفية " وذكر الغاية من التأليف، دون أن يكون له منهج معجمي، وسنذكر فيما سيأتي المزيد من البيان والبرهان.
أما مدارس المعجمات في العربية فأربع - كما ذكرنا في مقدمة الصحاح - وهن:
الأولى - مدرسة الخليل، وسار على نهجها: ابن دريد في جمهرته، والأزهري في تهذيبه، وابن عباد في محيطه، والقالي في بارعه.
الثانية - مدرسة القاسم بن سلام، ونهج منهجه ابن سيده في مخصصه، والثعالبي في فقه اللغة، ومن المحدثين المعاصرين عبد الفتاح الصعيدي وحسين يوسف موسى.
الثالثة - مدرسة الجوهري، ونسج على منواله الفيروزآبادي في القاموس، وابن منظور في لسان العرب، والصغاني في التكملة والذيل والصلة، وفي مجمع البحرين، وفي العباب.
الرابعة - مدرسة البرمكي، وتبعها الزمخشري في أساس البلاغة، ثم ألفت عشرات المعجمات على هذا المنهج الذي صار أسلوب العصر الحاضر في تأليف المعجمات.
وذكرنا سمات كل مدرسة ومزاياها، ولم نذكر مع المدارس الأربع منهجا جديدا لم نعتده مدرسة، وإن كان صاحب هذا المنهج مبتكرا ورائدا، لم نذكر منهجه ولم نعتده مدرسة، لان المنهج لم يكن متبوعا، ولم يأت بعده من يهتدي بهديه، فبقي فذا وحده ومهجورا، وهو نهج نشوان بن سعيد الحميري، المتوفى سنة 573 ه في معجمه العظيم " شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم ".
وكتبت عنه منذ زمن بعيد، وكنت بمدينة الرسول صلى الله عليه وسلم سنة 1361 ه أو قريبا منها فذكر لي العلامة السيد عبيد مدني - رحمه الله - أن لديه مختصرا للشمس، ودعاني إلى منزله فزرته، ولقيت شقيقه العلامة الأستاذ السيد أمين مدني، مد الله في عمره.
واطلعت على المختصر، وتحدثنا في المعجمات العربية، وكانا قد علما برأيي في تصنيفها إلى مدارس، فسألني السيد عبيد، لماذا لم تعد نشوان بن سعيد الحميري صاحب مدرسة؟
أليس مبتكر منهجه في تأسيس معجمه؟