ثم إني لم أره حتى دخلنا مكة، فرأيته ليلة إلى جنب قبة الشراب في نصف الليل قائما يصلي بخشوع وأنين وبكاء، فلم يزل كذلك حتى ذهب الليل، فلما رأى الفجر جلس في مصلاه يسبح، ثم قام فصلى الغداة وطاف بالبيت أسبوعا (1)، فخرج فتبعته، وإذا له حاشية وموال وهو على خلاف ما رأيته في الطريق، دار به الناس من حوله يسلمون عليه، فقلت لبعض من رأيته يقرب منه: من هذا الفتى؟ فقال: هذا موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب (عليهم السلام). فقلت: قد عجبت أن تكون هذه العجائب إلا لمثل هذا السيد.
وقد نظم بعض المتقدمين واقعة شقيق البلخي معه (عليه السلام) في أبيات طويلة، منها:
سل شقيق البلخي عنه بما شا * هد منه وما الذي كان أبصر قال لما حججت عاينت شخصا * ناحل الجسم شاحب اللون أسمر سائرا وحده وليس له زاد * فما زلت دائبا أتذكر وتوهمت أنه يسأل الناس * ولم أدر أنه الحج الأكبر ثم عاينته ونحن نزول * دون فيد (2) على الكثيب الأحمر يضع الرمل في الإنا ويشربه * فناديته وعقلي محير إسقني شربة فلما سقاني * منه عاينته سويقا وسكر فسألت الحجيج من يك هذا * قيل: هذا الإمام موسى بن جعفر (3)