بقيت محصورة فيهم زمنا طويلا حتى كان الإسلام، فليس من شك في أنهم قد احتفظوا بما كانت تستلزمه هذه الحكومة من عادة وخلق. ولا شك في أنهم قد استبقوا بقدر ما استطاعوا دهاءهم وحلمهم وحزمهم بل لا شك في أن هذا قد أصح كأنه خلق يتوارثونه ويتناقلونه وليس من البعيد أن يكون لذلك شئ من الأثر فيما سيمتاز به عمرو من الحذق السياسي والدهاء العظيم.
وكانت لبني سهم أيضا الرئاسة على الأموال الخاصة بإلهتهم وهي أشبه شئ بالأوقاف العامة، ففي قبضة صاحب هذه الوظيفة الأموال المحجرة (كما كانوا يسمونها) يتصرف فيها على حسب ما تقتضيه القواعد التي جروا عليها في العمل بأموال أوثانهم، ولا شك في أن هذا يستلزم غير قليل من التدبير وحسن القيام على الأموال. وهذا شئ قد ظهرت آثاره في حياة عمرو كما سترى. فقد كان حسن العناية بجمع المال واستثماره. لم يقتصر في ذلك وربما أسرف. وآية ذلك قوله لمعاوية حين سأله عما بقي مما يستلذه: مال أغرسه فأصيب من غلته وثمرته.
اشتهر بنو سهم بالعز والشرف والشعر وفصل الخصومات والكرم واليسار وغيرها من الصفات، فكان منهم قيس بن عدي الذي كان يضرب به المثل العز. فيقال كأنه في العز قيس بن عدي، ومنهم من اشتهر بالكرم وقرى الضيف: وهو الحارث بن سعد بن سهم، واشتهر نفر منهم بالشعر من أمثال عبد الله بن الزبعرى بن قيس بن عدي أحد شعراء قريش المعدودين، وكان من أشد الشعراء على المسلمين قبل فتح مكة.
ولا يفوتنا ما كان للعاص بن وائل أبي عمرو من السيادة والجاه والشرف في الجاهلية (كما سيأتي) فقد كان كبير بني سهم وزعيمهم في يوم الفجار الثاني قبل الهجرة. وكان تاجرا من ذوي اليسار في مكة تجوب تجارته الشام واليمن وغيرهما من البلاد. وما كان لابنيه هشام