قال كاشف الغمة: وقد خطر عند نقلي لهذا الحديث كلام أذكره على مواضع منه، ثم بعد ذلك أورد ما نقله أصحابنا في المعنى، ملتزما بما اشترطته من العدل في القول والفعل، وعلى الله قصد السبيل.
قول أبي بكر في أول الحديث وآخره: (وإني والله لا أدع أمرا رأيت رسول الله يصنعه فيه إلا صنعته) وهو لم ير النبي (صلى الله عليه وآله) صنع فيها إلا أنه اصطفاها، وإنما سمع سماعا انه بعد وفاته لا يورث - كما روى - فكان حق الحديث أن يحكى ويقول: وإني والله لا أدع أمرا سمعت رسول الله يقوله إلا عملت بمقتضى قوله، أو ما هذا معناه.
وفيه: (فاما صدقته بالمدينة فدفعها عمر إلى علي والعباس، فغلبه عليها علي (عليه السلام)) أقول: حكم هذه الصدقة التي بالمدينة حكم فدك وخيبر، فهلا منعها الجميع كما فعل صاحبه إن كان العمل على ما رواه، أو صرف إليها الجميع إن كان الأمر بضد ذلك، وأما تسليم البعض ومنع البعض فإنه ترجيح من غير مرجح، اللهم إلا أن يكونوا فعلوا شيئا لم يصل إلينا في إمضاء ذلك.
وفي قوله: (فغلبه عليها علي) دليل واضح على ما ذهب إليه أصحابنا من توريث البنات دون الأعمام، فإن عليا (عليه السلام) لم يغلب العباس على الصدقة من جهة العمومة، إذ كان العباس أقرب من علي في ذلك، وغلبته إياه على سبيل الغلب والعنف مستحيل أن يقع من علي (عليه السلام) في حق العباس، فلم يبق إلا أنه غلبه عليها بطريق فاطمة وابنيها.
وقول علي (عليه السلام): (كنا نرى ان لنا في هذا الأمر حقا فاستبددتم علينا) فتأمل معناه يضح لك مغزاه، ولا حاجة إلى كشف مغطاه، وروى أحمد بن حنبل في مسنده ما يقارب ألفاظ ما رواه الحميدي، ولم يذكر حديث علي وأبي بكر ومجيئه إليه في هذا الحديث، إنتهى (1).
وروى ابن أبي الحديد في الشرح: إن فاطمة (عليها السلام) طلبت من أبي