ثم إن المراد من الفضائل في الفقرة الشريفة هي المندوبات بالمعنى الأخص، وهي الأمور الراجحة شرعا التي يجوز تركها مرجوحا، وقد ندب الله الخلق إليها أي دعاهم دعوة غير ملزمة، وأصل الندب الدعوة مطلقا، والمراد هنا هو الندب الغير الملزم لا الندب المطلق الشامل للندب الوجوبي أيضا.
و (الرخص) جمع الرخصة - بضم الراء - وقد تضم الخاء أيضا للاتباع، وهي التسهيل في الأمر ورفع التشديد فيه، يقال: رخص لنا الشارع في كذا ترخيصا وأرخص إرخاصا إذا يسره وسهله، والرخص مثل قفل اسم منه والواحد رخصة.
ورخص الشيء فهو رخيص والرخص - بالفتح - الناعم، يقال: هو رخص الجسد أي بين الرخوصة، وكل هذه المعاني راجعة إلى معنى واحد، والمراد من الرخص هنا هو المباحات، ووصفها بالموهوبة إشارة إلى انها مما أعطاها الله لعباده من باب العطية لئلا يكون لهم حرج في فعلها وتركها، فيكونوا في سعة من الأمر.
و (الهبة) قيل: هي العطية مطلقا، والظاهر كما صرحوا به أيضا هاهنا العطية بلا عوض، يقال: وهب لزيد مالا هبة أي أعطاه إياه بلا عوض، قيل: يتعدى إلى الأولى باللام وإلى الثاني بنفسه، وفي التنزيل: ﴿يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور﴾ (1) ولا يتعدى إلى الأولى بنفسه على ما ذكره جماعة من أهل اللغة، فلا يقال: وهبتك مالا، والفقهاء يقولونه، وقد يوجه ذلك بتضمين معنى الإعطاء لكن لم يسمع في كلام فصيح.
والظاهر أن اللام فيه ليست للتعدية بل زائدة للتأكيد، كما تزاد في المفعول الأول من أعطى أيضا، فيقال: أعطى لزيد مالا، كما تزاد (من) أيضا فيقال: أعطى من زيد مالا، وكذلك المفعول الأول من بعت، فيقال: بعت لزيد ومن زيد مالا، وفي الهبة أيضا الوجهان، وكذا في النكاح والتزويج.