بالكلية، وقال بالمباحات وعمل بها على وجه الإباحة، فقد أحرز الإيمان الكامل الذي لا نقص فيه بالمرة ولو مثقال ذرة، ولا يوجد هذا الإيمان الكامل على ما هو عليه إلا للنبي والأئمة صلوات الله عليهم.
فمن ترك جميع ذلك بالكلية عمدا أو جهلا فهو الكفر الكامل في الغاية، ولا يوجد إلا في رؤساء أعداء الدين من أرباب الجهالة الكاملة، فإذا ترك أصول الدين ولا ينفع بعدها الفروع وإن عمل بها فهو الكفر الموجب للنجاسة، ومن قال بأصول الدين وترك الفروع كلية فهو مؤمن في الأصول وكافر في الفروع.
فإن عمل ببعض الفروع دون بعض فمؤمن بالنسبة إلى بعضها وكافر بالنسبة إلى بعض، ففعل الصلاة مرتبة من مراتب الإيمان، وتركها مرتبة من مراتب الكفر، وهكذا كل واحد واحد من الواجبات فعلا وتركا، وكل واحد واحد من المحرمات تركا وفعلا، كما ورد (إن تارك الصلاة كافر) (١).
وقال تعالى: ﴿ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين﴾ (2)، والمراد ممن كفر هو من ترك الحج.
وفي الحديث: (لا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن) (3) إلى غير ذلك، ولذا استشكلوا في عرق الجنب بالحرام انه نجس أم لا، وأصل الكلام انما هو في عرقه الحاصل حين الجنابة لا مطلقا، وإن اشتبه الجماعة في تعيين موضوع المسألة.
وكذلك لفعل المندوبات والمكروهات وتركهما مدخلية في الإيمان والكفر، فيحصل بلحاظ الهيئة التركيبية الحاصلة بحصول كل طاعة مع ما سواها مرتبة من مراتب الإيمان، وبتركها مرتبة من مراتب الكفر، بل من المجموع من حيث المجموع، وإنما خص بعض التروك أو بعض الأفعال باطلاق الكفر من جهة