وعن معاذ بن جبل قال: سألت النبي (صلى الله عليه وآله) ما هذه السرائر التي تبلى بها العباد يوم القيامة، قال: سرائركم، أي هي أعمالكم من الصلاة، والزكاة، والصيام، والوضوء، والغسل من الجنابة، وكل مفروض، لأن الأعمال كلها سرائر خفية، فإن شاء قال: صليت ولم يصل، وإن شاء قال: توضأت ولم يتوضأ، فذلك قوله تعالى: (يوم تبلى السرائر) (١).
وعن الحسن انه سمع رجلا ينشد قوله:
سيبقى لها في مضمر القلب والحشا * سرائر ود يوم تبلى السرائر فقال: ما أغفله عما في السماء والطارق، أي عن قوله تعالى: ﴿يوم تبلى السرائر * فما له من قوة ولا ناصر﴾ (٢)، ﴿يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى﴾ (3).
والمراد بسرائر القرآن المطالب الدقيقة، والمقاصد الخفية المضمنة فيه مما يتعلق بالأمور الدينية، والمعارف اليقينية، وسائر الوقائع والحوادث الكونية الزمانية، والدهرية والسرمدية.
والحاصل جميع دقائق الأحكام التشريعية والتكوينية، والمراد بانكشاف سرائره وضوحها عند حملة القرآن وأهله لا مطلقا، أو المراد انها قابلة للكشف يكشفها أهله لمن يشاء ويريد إذا كان قابلا لها، إذ لا يكشف السر إلا لأهله، ولا يوضع الشيء إلا في محله.
ويرجع حاصل معنى السرائر إلى تأويلات القرآن وبطونه السبعة، أو السبعين، أو السبعمائة، أو أكثر في مقابل ظواهر القرآن، والمراد من ظواهره هو الظاهر بالمعنى الأعم الشامل للنص والظاهر بالمعنى الأخص الذي هو الراجح المطلق المسمى بالمحكم، وقد مرت الإشارة إلى بعض ما ينفع في هذا المقام