وقد مر معنى الدهر، وفي كل دهر حوادث مختصة به، ويدخل في تلك الحوادث إنقلابات أوضاع الخلق في حيرتهم وضلالتهم الموجبة لبعث رسول إليهم يتلو آيات الله عليهم.
والمعرفة من عرفته عرفة وعرفانا - بالكسر - قال في المصباح: علمته بحاسة من الحواس الخمس، والمعرفة اسم منه، ويتعدى بالتثقيل فيقال: عرفته به فعرفه - من باب ضرب - فهو عارف وعريف (1).
والعريف: النقيب أيضا، وهو دون الرئيس، وهو القيم بأمور القبيلة، والجمع عرفاء، ومنه الخبر: (العرفاء في النار) (2) من عرف عرافة من باب شرف، وإذا أردت أنه عمل بذلك قلت: عرف فلان علينا سنين من باب نصر، ومن هذه المادة التعريف بمعنى الإعلام وإنشاد الضالة ونحو ذلك، كتعريف المحدودات ونحوها.
وفي الخبر: (من عرف الله كل لسانه) من عرفت الشيء - من باب ضرب - أي أدركته، قيل: والمعرفة قد يراد بها العلم بالجزئيات المدركة بالحواس الخمسة، كما يقال: عرفت الشيء إذا علمته بإحدى الحواس الخمسة، وقد يراد بها إدراك الجزئي والبسيط المجرد من الإدراك المذكور، كما يقال: عفرت الله دون علمته، لأن العلم مفسر بمعان مختلفة لا يخلو شئ منها من إعتبار إدراك الصورة.
وقد يراد بها الإدراك المسبوق بالعدم، وقد يطلق على الإدراك الأخير من الإدراكين إذا تخلل بينهما عدم، كما لو عرفت الشيء ثم ذهلت عنه ثم أدركته ثانيا، وباعتبار المعنيين الأخيرين والمعنى الأول لا يقال: الله عارف، بل يقال عالم من العلم بمعنى الحكم بالشيء إيجابا وسلبا، أو بمعنى إدراك الصورة، أو الصورة الحاصلة، أو غير ذلك.
وكل ذلك بالنسبة إلى الله انما يتصور في ملكه لا نفسه، بالعلم الحادث لا