والحق عندي أن يكون مستورا في الآية بمعنى المفعول لا على نحو ما ذكر، بل بمعنى كونه مستورا عن أعين الناس لعدم كونه من الحجب الجسمانية، و (جزاء موفورا) بمعنى كونه مرغوبا فيه، و (مأتيا) بمعنى المفعول من أتيت الأمر بمعنى فعلته، و (محجورا) بمعنى محجور به، كما يقال: المشترك بمعنى المشترك فيه، والمستقر بمعنى المستقر فيه بحذف الصلة.
وإن اسم الفاعل في جميع ما ذكر في معناه الأصلي أيضا لكن ما باب النسبة، وهو باب واسع ذكره الصرفيون، ومنهم ابن حاجب في الشافية، بمعنى ذي كذا وذات كذا، فيكون عاصم بمعنى ذي عصمة، ودافق بمعنى ذي الدفق، وراضية بمعنى ذات الرضا، وهكذا البواقي نظير لابن، وتامر، ودارع، وعاشق، وضامر ونحو ذلك، فيكون جامدا يستوي فيه المذكر والمؤنث، ومنه الحائض والطالق على أحسن الوجوه الثلاثة التي مرت إليها الإشارة.
و (الأهاويل) جمع أهوال جمع هول بمعنى الخوف والأمر الشديد من هاله الشيء يهوله هولا أفزعه، فهو هائل وذاك مهول، وفي الحديث: ((المال رزق هائل)) ومكان مهيل أي مخوف.
وهذه الفقرة أيضا كناية عن كون الأشياء معدومة، بتقريب فرض ان ظلمات العدم كانت أمورا موحشة مفزعة لمن رام أن يدخلها، ويطلع على الأشياء التي كانت فيها، فصارت محفوظة عن وصول الأيدي إليها بما دونها من الظلمات الحاجبة الموحشة المفزعة، والإضافة في ستر الأهاويل بيانية بمعنى من، أو ظرفية بمعنى في، مثل قوله تعالى: (بل مكر الليل والنهار) (1).
وقال بعض الفضلاء في معنى الفقرة: لعل المراد بالستر ستر الاعدام، أو حجب الأصلاب والأرحام، ونسبته إلى الأهاويل لما يلحق الأشياء في تلك الأحوال من موانع الوجود وعوائقه.