وهو أشد من الغيبة، قلت: وما وجه أشدية الغيبة من الزنا؟ قال: لأن الزنا يغفر بالتوبة، والغيبة لا تغفر حتى يغفرها صاحبها (١).
وكل شئ غيب عنك شيئا فهو غيابة، ومنه غيابة الجب - بفتح الغين - أي قعره، والغيابة ما غاب عن أعين الناظرين أيضا.
وفي النهاية: قد تكرر ذكر علم الغيب، والإيمان بالغيب في الحديث، وهو كلما غاب عن العيون سواء كان محصلا في القلوب أو غير محصل (٢).
وقوله تعالى: ﴿يؤمنون بالغيب﴾ (3) قيل: يعني بالله لأنه لا يرى، وقيل: بما غاب عن أمر الآخرة وإن كان محصلا في القلوب، إنتهى.
ولا يخفى ان لفظ الغيب أطلق في الاستعمالات العرفية على أمور كثيرة، والوجه فيه ان الغيب - كما أشير إليه - هو ما غاب وستر عن الإدراك الظاهري أو الباطني، وهو من الأمور النسبية، فما وراء الجدار غيب بالنسبة إلى من لا يعلم ما ورائه، وشهادة بالنسبة إلى من كان وراؤه ورآه أو علمه أي شاهده بالعين الظاهرية أو العين الباطنية.
وما في هذه البلدة غيب بالنسبة إلى من لا يعلم أوضاعها وحالاتها، وشهادة بالنسبة إلى من يشاهد الوقائع الحادثة فيها وهكذا، فيكون الغيوب بالنسبة إلى الأشخاص مختلفة متفاوتة، وكذلك الشهادة، فالأمر القلبي بالنسبة إلى الجاهل به غيب، وبالنسبة إلى العالم به شهادة، وكذا كل من الأمور الدنيوية، والبرزخية، والأخروية، والأرضية، والسماوية، والجن، والملائكة، والنار، والجنة.
والله تعالى هو الغيب المطلق، وهو غيب الغيوب الذي لا يدركه أحد بالمرة، والشيء في حال عدمه غيب كما أنه في حال وجوده شهادة، والعدم بمنزلة الستر على الشيء والكن الحاجب له، فيكون العدم عالم الغيب باعتبار والوجود عالم