قال أبو إبراهيم التجيبي واجب على كل مسلم متى ذكره، أو ذكر عنده أن يخضع ويخشع، ويتوقر ويسكن من حركته، ويأخذ في هيبته وإجلاله بما كان يأخذ نفسه لو كان بين يديه، ويتأدب بما أدبنا الله تعالى به.
وهذه كانت سيرة السلف الصالح في الأئمة الماضين.
وروى القاضي - بسند جيد - عن ابن حميد قال: ناظر أبو جعفر أمير المؤمنين مالكا في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال مالك: يا أمير المؤمنين لا ترفع صوتك في هذا المسجد، فإن الله عز وجل أدب قوما فقال: (لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي [الحجرات: 2] الآية.
ومدح قوما فقال: (إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله) [الحجرات: 3] الآية.
وذم قوما فقال: (إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون) [الحجرات: 4] وإن حرمته ميتا كحرمته حيا، فاستكان لها أبو جعفر وقال: يا أبا عبد الله، أأستقبل القبلة وأدعوا؟ أم أستقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: ولم تصرف وجهك عنه، وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم - عليه السلام - إلى الله تعالى يوم القيامة؟ بل استقبله واستشفع به، فيشفعك الله، قال الله تعالى: (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما).
وقال الإمام مالك رحمه الله تعالى: كان أيوب السختياني إذا ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - بكى حتى أرحمه.
وقال مصعب بن عبد الله: كان مالك إذا ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتغير لونه، وينحني حتى يصعب ذلك على جلسائه، فقيل له يوما في ذلك فقال: لو رأيتم ما رأيت لما أنكرتم علي ما ترون، ولقد كنت أرى محمد بن المنكدر وكان سيد القراء لا نكاد نسأله عن حديث أبدا إلا يبكي حتى نرحمه، ولقد كنت أرى جعفر بن محمد - وكان كثير الدعابة والتبسم - فإذا ذكر عنده النبي - صلى الله عليه وسلم - اصفر، ما رأيته يحدث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا على طهارة.
ولقد كان عبد الرحمن بن القاسم يذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فننظر إلى لونه كأنه نزف منه الدم، وقد جف لسانه في فمه، هيبة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
ولقد كنت آتي عامر بن عبد الله بن الزبير، فإذا ذكر عنده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكى حتى لا يبقى في عينيه دموع.