الباب الثاني في الدليل على مشروعية السفر وشد الرحل لزيارة سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استدل العلماء - رضي الله تعالى عنهم - على مشروعية زيارته وشد الرحل لذلك بالكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس.
أما الكتاب فقوله تعالى: (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما) [النساء: 64] وجه الدلالة من هذه الآية مبني على شيئين:
أحدهما: أن نبينا - صلى الله عليه وسلم - حي كما يثبت ذلك في بابه.
الثاني: أن أعمال أمته معروضة عليه كما يثبت ذلك في بابه.
فإذا عرف ذلك فوجه الاحتجاج بها حينئذ أن الله تعالى أخبر أن من ظلم نفسه ثم جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستغفر الله تعالى واستغفر له الرسول فإنه يجد الله توابا رحيما، وهذا عام في الأحوال والأزمان للتعليق على الشرط، وبعد تقرير أن نبينا - صلى الله عليه وسلم - بعد موته عارف بمن يجئ إليه سامع الصلاة ممن يصلي عليه، وسلام من يسلم عليه، ويرد عليه السلام فهذه حالة الحياة، فإذا سأله العبد استغفر له، لأن هذه الحالة ثابتة له في الدنيا والآخرة، فإنه شفيع المذنبين وموجبها في الدارين الحياة والإدراك مع النبوة، وهذه الأمور ثابتة له في البرزخ أيضا فتصح الدلالة حينئذ وفاء بمقتضى الشرط.
وقد استدل الإمام مالك على ذلك بهذه الآية كما ذكرته في باب مشروعية التوسل به - صلى الله عليه وسلم -.
وحكى المصنفون في المناسك من أرباب المذاهب عن أبي عبد الرحمن محمد بن عبيد الله بن عمرو بن معاوية بن عمرو بن عتبة بن أبي سفيان صخر بن حرب العتبي أحد أصحاب سفيان بن عيينة قال: دخلت المدينة فأتيت قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - فزرته وجلست بحذائه فجاء أعرابي فزاره ثم قال: يا خير الرسل، إن الله تعالى أنزل عليك كتابا صادقا قال فيه:
(ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما) [النساء: 64] وإني جئتك مستغفرا من ذنبي مستشفعا بك إلى ربي ثم بكى وأنشد:
يا خير من دفنت بالقاع أعظمه * فطاب من طيبهن القاع والأكم نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه * فيه العفاف وفيه الجود والكرم